شعر ولا فلسفة في ملحمة وائل نجد الشعرية الفلسفية

شعر ولا فلسفة في ملحمة وائل نجد الشعرية الفلسفية

نقد: العمل الاخير لوائل نجد لم يثبت سوى قدرته على النظم الطويل النفس اذ انه لم يقدم عملا شعريا مميزا ولا اضاف شيئا الى الفكر الفلسفي.

بيروت - من جورج جحا

جهد كبير ولا اضافة الى الفلسفة او الى الشعر

من الامثلة على عدم انطباق التوقعات على الواقع الذي نجده في عمل ما مثل واضح في عمل شعري طويل كتبه وائل نجد وسماه ملحمة شعرية فلسفية.

وقد جاء العنوان المرنب على الصورة التالية "الفية ابن نجد..ملحمة فلسفية" وفوق كل ذلك اي في اعلى صفحة غلاف الكتاب نقرأ "ابعد من السماء والارض."

الابيات الشعرية الالف جاءت في 110 صفحات من القطع الكبير وصدرت عن "دار الحداثة" في بيروت.

العمل اخذ اسمه من "ألفية ابن مالك" التي قام صاحبها بنظم 1000 بيت من الشعر ضمنها قواعد النحو العربي. وكما لم ييسر ابن مالك قواعد العربية ولم يرغب الناس في تعلمها بل جل ما قام به هو اظهار قدرة على النظم الشعري بنفس طويل فان ابن نجد -ولعل الاسم رمزي- قد فعل الامر نفسه.

فوائل نجد في عمله هذا لم يثبت سوى قدرته على النظم الطويل النفس اذ انه لم يقدم عملا شعريا مميزا ولا اضاف شيئا الى الفكر الفلسفي. وكذلك لم يكن للالفية هذه علاقة بالملحمة وفقا لتحديدها الكلاسيكي سوى كونها منظومة وطويلة. وجاء عمله معرضا للفلسفات والاراء الفكرية والنظريات المختلفة وركز على الشأن الجنسي في كلام سافر.

اعتمد نظام الرباعيات من حيث عدد الابيات في كل مقطع شعري. واذا كان بعض ابياته يذكرنا بشعراء كلاسيكيين كبار فان بنية القصيدة ومحتوياتها لم تخرج بعيدا عن قصيدة ايليا ابي ماضي الشهيرة "الطلاسم" من حيث عرضه للاراء االمختلفة في الحياة والدين والفلسفة ثم الانتهاء عمليا الى "لا أدرية" كتلك التي وصل اليها ابو ماضي.

يسخر الشاعر من الاديان كلها ومن الفلسفات والنظريات ونادرا ما يعلن قبوله برأي من الاراء لكنه يقول لنا انه في تحرق دائم الى المعرفة. يكتب في ترتيب منطقي وتساؤلات فكرية عميقة لكنها ليست على قدر كاف من الجدة بل تأتي تكرارا لما قيل قديما وحديثا دون ان نلمح الا نادرا موقفا مميزا او زاوية خاصة.

انها اعادة لكثير مما تعلمناه وقرأناه وفي احيان كثيرة اغلقنا عليه ابواب الذاكرة وقد جاء يطرحها علينا كأنها شؤون جديدة والحجة عنده هي انها لم تلق اجوبة شافية بعد. لم يضف شيئا الى الاجوبة كما انه لم يجدد في الاسئلة فجاءت كما عهدناها. لعل ميزته الاولى هي ان اسئلته واجوبته جاءت صريحة الى قصى الحدود والى درجة ربما لم يجرؤ احد غيره على الاتيان بمثلها. ولعل له في مهاجمة كل الاديان ما يوحي له بانه كان منصفا وموضوعيا دون تمييز بينها.

بدأ الشاعر بقصيدة عنوانها "استهلال" تظهر قدرة على النظم وعلى الاتيان بشعر جيد لو غمس ريشته في مشاعره الخاصة كما قيل قديما. لقد غرسها عوضا عن ذلك في افكار الاخرين. قال فيها "للفكر شمس وللاشعار معيار وللمشاعر اقبال وادبار هذا كتاب امرىء دكت صراحته صروح اوهامه فائتجت النار القى القناع بعصر فاض اقنعة من موجها دفة البحار تحتار القاه مقتنعا ان القناعة لا تفيد ما لم يكن للبوح اعصار."

وعلى غرار اجواء المتنبي في قوله "كم قد قتلت وكم قد مت عندكم ثم انتفضت فزال الموت والكفن " ينهي وائل نجد القصيدة بخطابية مدوية فيقول "قد عشت حينا بعار الصمت ملتحفا/ ثم انفجرت فطار الصمت والعار/ انا الذي مزق التفكير مبسمه/ في القلب حرب لها في العقل مسعار/ مسعارها صاغ بالابيات فلسفتي/فسلمتني الى النقاد اشعار."

اما الاهداء ففيه يقول لنا انه هاجم المعتقدات لكنه ما زال يبحث عن الحقائق كي تستكين نفسه اليها "هذا العمل ليس الا تعبيرا اوليا عما يدور في خلجات نفسي الحائرة اهديه لكل الناس."

انه ينظم الافكار وقليلا ما يكتب المشاعر الحارة شعرا ولربما كان ذلك بسبب اختياره الامور الفكرية التي يناقشها ببرودة ولو شعرا. وتبدأ الملحمة وفيها يقول "لست معتوها على اوراقه يقضي فراغه بل اريبا دق بالفصحى نواقيس البلاغة طبخ الفكر بقدر الشعر طبخا ثم صاغه في شروح هي للروح طعام وشراب."

ولا يترك الفرصة تمر دون دون الحديث الجنسي وتطبيق الجنس على عملية الكتابة او العكس فيقول مذكرا في القسم الاخير بسبب تسمية حي بن يقظان بهذا الاسم "يا قضيب الشعر هيا قم فقد طاب النكاح لابنة العقل التي كانت بسجن الانبطاح فاذا ما جاء للحمل بمولود مجال سمه نور بن حر الفكر ذي العقل المهاب."

ويضيف قائلا "واذا المولود انثى سمها شمس الطهارة علها تشرق يوما في سماوات الدعارة ليرى الداعر باسم الدين انوار الحضارة ويرى الفاجر باسم الله وجه الانقلاب."

وينتقل الى فيلسوف المعرة ابي العلاء واسئلته فيقول "فار تفكيري فصاحت في شراييني الدماء/ لوحة الاديان هل خطت باقلام السماء/ ام كما قال المعري بمكر ودهاء/ ام هو الحق بدين الارض لا دين الكتاب."

ويستمر على هذا المنوال وكأنه لا ينقصه الا لازمة ابي ماضي "لست أدري" ويطرح سؤالا يذكرنا بقول الرسول محمد ما معناه ان الانسان يولد كصفحة بيضاء. يقول الشاعر "ايها المؤمن جدا لا تبالغ في عنادك/ افترض لو كان ميلادك في غير بلادك/ اسرة اخرى وتعويد على غير اعتيادك/ اي دين ستوالي بانتماء و انتساب.."

ويمر على معتقدات الهندوس وفكرة التناسخ مبديا شكه كما يعرج على المسيحيين بالشك نفسه وكذلك على اليهود فكأنه ابو العلاء يصرخ متسائلا " كل يشيع دينه يا ليت شعري ما الصحيح"

ويقول وائل نجد هنا "ارأيتم كل دين يدعي وصلا بليلى/ اين ليلى اين ليلى ليت ليلى تتجلى/ ربما ليلى بتعذيب الحيارى تتسلى/ طال بحثي فمتى يرفع عن ليلى الحجاب.."

الا انه يرفض الالحاد فيقول "ايها الجازم بالالحاد صرفا هل جننتا/ انت من انت لتنفي الرب والمربوب انت/ لو تأملت بربع العقل صدقا لفطنتا/ ان قيثارة ربي لحنها سحر عجاب."

ويورد كثيرا من الافكار والاراء الفلسفية القديمة والحديثة العلمية ويمر على مسألة السياسة والدين فيقول مثلا "بين تسييس الديانات وتديين السياسة/ بين تتييس الاناءات وتبرير التياسة/ بين مزمار الاساطير وكابوس الرئاسة (حيوان وثني تائه وسط الرحاب."

ويحذر من تسلم من يسميهم الرجعيين زمام السلطة فيقول "احذروا ان يمسك الرجعي في اوطاننا بعصا السلطة كي نخلص من احزاننا )زمرة النهي عن المعروف في ازماننا/ اقرب الامثلة الكبرى على هذا المصاب."

وائل نجد يتناول امورا كثيرة بجرأة نادرة قد تكون في بعض الاحيان ضرورية جدا . الا انه في تبنيه للجدل العقلي يتخلى عن قدرة شعرية قد تكون لديه ولا يضيف للفكري شيئا ..غير الجرأة.

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • Twitter
  • RSS

رواية هاشم غرايبة رسالة من جيل الهزائم الكبرى والمعارف الشاقة، إلى جيل سيولة الاتصال وسهولة التواصل

حكاية القط الذي علَّم غرايبة الطيران

إلى روح محمد بوعزيزي

عمان ـ قبل أن يفتتح القارئ أبواب رواية "القط الذي علمني الطيران" للكاتب الأردني هاشم غرايبة، سيضطر للوقوف مطولاً بصمت واحترام عاليين أمام عتبة الإهداء التي يفتتح بها هاشم غرايبة روايته "إلى روح محمد بو عزيزي.. وللإرادة الحرة" والتي تعد مدخلا حقيقيا للنص، أو مشهدا تكثيفيا لما يواجهه الإنسان العربي من قمع يؤدي به إلى انفجار فجائي، غير قابل للتوقف قبل أن يقتلع قامعيه ويحقق إرادته الحرة.

إنها رواية الحرية.. واربد، قصة رائحة الياسمين.. والعطن أيضا، وحكاية القبو وهو يتمدد ليصير فضاء للغرائب. رصد ممتع لدفق الحياة القوي ينبض في أعتم زوايا السجن، ومراجعة شجية لذاكرة السجين وهي تتمدد عبر الزمان والمكان، وإضاءة لقنديل الحزن الشفاف في روح الفتى تنقل لنا أحلام يقظته وهي تغمس عروقها في ينابيع الحياة والحب والجمال التي خبرها على أرض الواقع، أو في بطون الكتب التي أُغرم بها.

تستمدّ الرواية مادتها من التجربة الشخصية للكاتب في سجن فرعي صغير "سجن اربد- دار السرايا اليوم"، مع مساجين قساة لكنهم صادقون. هنا الناس مكشوفو السريرة، أرواحهم مشرعة الأبواب، مخلّعة النوافذ.. لكنهم أبناء الحياة!

هذا سرد روائي مختلف عما ألفنا من أدب السجون، فهي تبتعد عن التذمر والشكوى، وترصد دفق الحياة القوي ينبض في أعتم زوايا السجن، ومراجعة شجية للذاكرة وهي تتمدد عبر الزمان والمكان، وإضاءة لقنديل الحزن الشفاف في روح السجين.. فيكون الامتحان الصعب ليس لانتمائه السياسي، بل لروحه المتمردة.

هذه الرواية تعتمد في مادتها الأساسية على التجربة الشخصية، فيها ملامح السيرة الذاتية، لكنها في النهاية عمل إبداعي يعتمد التخييل في بنائه.

تقول الرواية: "أنا الراوي هاشم غرايبة، كنت أقلّب أوراق كُنّاشٍ مُصْفرّة كتبتها قبل ثلاثة وثلاثين عاماً، فطارت من بينها زهرة ياسمين مثل فراشة بلون التبن لتحطّ على كفي، وتصل روحي بخيط من شذى الياسمين مع زهو الشباب، وزمن الإلهام، ودفء الحلم، وقدسية الكرامة الشخصية.. فسطع حبر الكوبياء موقظاً الذكريات الغافية في كف الزمن".

يدخل "الفتى الغر" السجن بسبب انتمائه الحزبي الهش، فيكون الامتحان الصعب ليس لانتمائه السياسي، بل لروحه المتمردة، ولرائحة الياسمينة – الأم - ولأحلامه وأشواقه المحلّقة؛ التي يجد صداها في كتابين لا علاقة لهما بالسياسة والايدولوجيا: "الأمير الصغير، والنورس جوناثان". وعلى أرض الواقع يجد الفتى "عماد" سنده في صداقة لص اسمه "القط"؛ شخصية القط لا تطغى على غيرها من الشخصيات في السجن، حيث الملائكة والشياطين وجهان لعملة واحدة، ميزة القط أنه رجل حر، حالم، وشفاف، لكنه متدثر بالسخرية يتقي بها شرور الواقع. شخصية مركبة يبدو وكأنه اختار قدره كلص، ورضا أن يكون دون من حوله، ولأنه يبخل بإظهار مكنونه النبيل، وثقافته الخاصة؛ فلا يفيض عشقه العميق للحياة، وتوقه الأصيل للحرية إلا حين يضطره الموقف لذلك!

من هذه الصداقة بين (اللص صاحب الخبرة بالحياة) و(السجين السياسي الغض) تضاء شخصيات السجن من حولهما، وتتشعب الرواية لنتعرف على عالم مختلف عما ألفنا، وشديد الالتصاق بما نعرف في الوقت ذاته!

ما كتب على غلاف الرواية هو مقتطف من أقوال جوليان اسانغ صاحب موقع "ويكليكس" الشهير، ليشكل جسرا بين زمن الكتابة وزمن الرواية، فموضوع الرواية "ويكليكس" من زمن آخر، والمقتطف المشار إليه يعبر عن فحوى الرواية؛ حيث الدراما لا تنعقد بين السجين والسجان فحسب بل تعبر عن إنسانية الإنسان "المحاصر- السجين"، وهو يواجه تحديات الوجود في هذا الكون. فعندما يحمل الناس، وهم في قمة عنفوانهم، قناعات وقيما؛ فعليهم أن يتصرفوا وفقا لها. وينفذوها كيما تصير هذه الدنيا أعظم كمالا، وهذا الإنسان أفضل تقويما، وهذه الحياة أكثر عدلا وأقل شقاء.

"القط الذي علمني الطيران" بحث عميق في محدوديّة المكان وهي تفتح على سؤال الزمن، حيث الزمن مثل الماء يأخذ شكل المكان، وحيث الزمن مثل الأشياء، لا يرى في العتمة، فالزمن قنديلٌ زيته الحركة، وفتيله الإنجاز (حتى الجنّة لا تطاق بلا إنجاز!).

ورغم أن السجن زمن دائري (ننام. نصحو. نأكل. نمشي عبر نفس المشاهد، ونقابل الوجوه ذاتها بتنويعات هامشية. لكننا نتشبث بحلم الخروج من رحلتنا الدائرية كل يوم).

إن كسر الزمن وسط هذه الرزنامة الحافلة بالمفاجآت يبدو شيئاً جوهرياً.

إنها تدلنا كيف نعيش أيام العمر عبر المرور السريع والعبثي للزمن. هناك خياران: طريق تمر بمشهد ثابت؛ تبدلاته لا تدهش، ولا تبهج، بل تجعلك سجيناً يتأفف من برد الشتاء، ورذاذ الربيع، وحر الصيف، وغبار الخريف. فيما العمر يمضي، وتسّاقط أيامه مثل أوراق الرزنامة. وخيار أن تتعلم الطيران الحر عبر سحر الكون المتجدد أبدا، فتشعر كل يوم أنك ذاهب لما تشتاقه، وأنك وهبت يوماً جديداً لتعيشه بعمق. عُمرٌ تتنفس عبره صباحات الأيام بنهم، وتعيش لحظاته مثل هطول بتلات الياسمين في كفّ طفلة.

هذه الرواية رسالة من جيل الهزائم الكبرى والمعارف الشاقة، إلى جيل سيولة الاتصال وسهولة التواصل، جيل الانتصار وقبول تحديات العصر. فكل جيل يخوض تحدياته وفق إمكانياته ضمن شرطي الزمان والمكان. نحن هزمنا لكن أبناءنا انتصروا!

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • Twitter
  • RSS