بقلم: زيد الحلي

















اللغة أيقونة من عسل الكلمات



حضَرت جميع قصائد نزار قباني في أمسية المركز الثقافي العربي في أبي رمانه في دمشق لمناسبة ذكرى رحيله، إلا أحب قصائده وهي "بلقيس" القصيدة والحبيبة والزوجة.

وعندما نقلتُ ملاحظتي الى المتحدث الرئيس في الأمسية الأديب السوري محمد مروان مراد، عن سبب هذا الغياب لا سيما ان الحديث بمجمله كان عن سيرة الشاعر بكل انعطافاتها، وبلقيس أهم مثابة في تلك الانعطافات باعتراف الشاعر نفسه. كان جوابه بأنه يتفق معي حيث ان "بلقيس الراوي" لم تكن زوجة لنزار قباني الرجل، بل كانت ملهمة لنزار قباني الشاعر وهو الذي قال فيها عند استشهادها في بيروت في العام 1981:

بلقيس.. يافرسي الجميلة.. إنني من كل تاريخي خجول

هذي بلاد يقتلون بها الخيول..

سأقول في التحقيق: كيف أميرتي اغتصبت..

وكيف تقاسموا الشعر الذي يجري كأنهار الذهب

سأقول كيف استنزفوا دمها..

وكيف استملكوا فمها.. فما تركوا به وردا

ولا تركوا به عنبا..

هل موت بلقيس.. هو النصر الوحيد في تاريخ كل العرب؟

***

كان اتفاقه معي، صفحة أولى في اعادة استذكار ما تحدث به في تلك الأمسية التي حضرها جمع طيب من شعراء الشام ومثقفيها، بعد قناعتي بأن الأمر لم يتعد السهو غير المقصود!

وإذ، لم تخطر "بلقيس الراوي" على بال من أحيا ذكرى وفاة شاعر العشق الأول في حياتنا المعاصرة، فإن صورتها باقية في ذهني حتى اليوم، حيث شاهدتها قبل استشهادها بيوم واحد حين كنت في ضيافة الصديقين عبد الرزاق محمد لفته سفير العراق في لبنان، وحارث طاقة المستشار الصحفي في السفارة، أثر انتهاء مشاركتي في دورة "صحافة الغد" التي أقامها معهد "طومسن" للصحفيين العرب في بيروت.

كان ذلك يوم الأربعاء 14/1/1981 كانت "بلقيس الراوي" إحدى موظفات السفارة وتجاذبنا أطراف الحديث، ثقتها بنفسها كبيرة وعندما عرّفني عليها الصديق حارث طاقة قائلاً: "زميلتي في السفارة بلقيس الراوي زوجة نزار قباني" امتعضت، لكنها قالت بصوت خفيض: "انا هنا بلقيس الراوي الموظفة وليست زوجة نزار" ضحكنا، وحوّلنا الموضوع إلى دعابة.

كان جو بيروت شديد البرودة، وأزيز الرصاص وأصوات القذائف تُسمع بوضوح بل هي على محيط السفارة. إنها أيام حرب بيروت اللعينة! كانت السفارة كريمة معي من خلال استضافتها لزملائي المشاركين في الدورة، على دعوة غداء أقامتها على شرفي. لقد ألتف الزملاء حول "بلقيس الراوي" ومعهم أسئلتهم عن زوجها الشاعر، النجم. لمستُ زهوها بنزار مثلما لمستُ اعتدادها بنفسها.

تناول الزملاء العرب الطعام العراقي وسط الترحيب المستمر من قبل كادر السفارة. وأشهد ان "بلقيس الراوي" كانت مثالاً في الترحيب والرقي، حيث كانت تراقب جميع الضيوف بعين عراقية، هي والكرم توأمان. وانتهى طعام الغداء. ولم تنته أسئلة الصحفيين لبلقيس، وكان أبرز تلك الأسئلة عن ظروف زواجها من نزار.






























عائلة توفيق قباني


ولو روى أحد حكاية زواج نزار من بلقيس التي سأذكرها بعد قليل، فإن الكثيرين لن يصدقوها، فليس من المعقول أن يتزوج شاعر الحب والأنوثة والداعي إلى الحرية وصاحب الحرف الجريء في مخاطبة الجنس زواجاً (تقليديا) شبيها بزواج الآباء والأجداد، لكن هذا ما حصل بالفعل وهو وليدة الصدفة.. كيف؟

قال لي أحد جيران بيت عم بلقيس الذي كانت تتردد عليه بلقيس كثيراً وهو من قدامى سكان الأعظمية: اعتاد نزار في نهاية ستينيات القرن المنصرم على زيارة بغداد للالتقاء بأدبائها ومثقفيها، وكان من عادته في تلك الزيارات ان يقضي أيامه في بيت ابنة عمه المتزوجة من عراقي في منطقة الأعظمية، وكان لابنة عمه صديقة على مشارف الثلاثين من العمر تزورها باستمرار. امرأة ناضجة، جميلة القوام ذات خصلات من الشعر حصدت عليه حسد زميلاتها، لبقة في حديثها، صوت أنثوي، يحمل صدى محبباً في آذان سامعيه وتشاء الصدف أن تقع عينا نزار قباني الداخل في سنته 46 على صديقة ابنة عمه في أحد مساءات بغداد، ليطلق "كيوبيد" الحب سهامه، ليردي قلب نزار شاغل قلوب النساء قتيلاً.

وتحس ابنة العم بما اعتمل في قلب ابن عمها الخارج للتو من تجربة زواج فاشلة. لم تستغرق نظرات نزار وبلقيس سوى لحظات ليعتذر نزار. فهو على موعد مع صديقه الشاعر شفيق الكمالي.

وفي اليوم التالي وأثناء ألإفطار في باحة البيت البغدادي الجميل، يبدأ نزار في الحديث مستفسراً عن ضيفة الأمس، وتبدأ ابنة عمه بالحديث "هي ابنة السيد جميل الراوي، وهي تتردد على بيت عمها، المحاذي لنا واسمها بلقيس، وقد رفضت كل من تقدم لخطبتها، اعتدادها بنفسها كبير وهي مدللة عائلتها .. و.."، ويكتفي نزار بما سمعه وأخذ يوائمه بما أحس به بالأمس تجاه هذه الفتاة، لكنه لم ينبس ببنت شفة، وفي المساء قفل راجعاً الى بيروت.



























وبعد أربعة أيام، عاد نزار الى بغداد دون ان يخبر أحداً، وسط دهشة ابنة عمه وعائلتها. عاد ومعه حلم "بلقيس" وطلب المعونة في طلب يدها وباركت ابنة عمه رغبته وأثنت عليها وبدأ المشوار الصعب المتمثل بإقناع عائلة "بلقيس" بزواج ابنتهم من شاعر عُرف بقصائد (العشق الحرام). كما أن "بلقيس" سبق أن رفضت جميع من تقدم إليها. ويتم التوسط، وينجح الأصدقاء في لم شمل (دجلة وبردى) وتتم مراسيم الزواج في عام 1969 ويقضي العروسان شهر العسل في العراق، طافا خلاله عددا من المحافظات وأقيمت على شرفهما العديد من الدعوات كان من نتائجها زيادة وزن نزار قباني لأكثر من عشرة كيلوات، والذي يساوره شك في ما أقوله فليسأل شقيق الشهيدة بلقيس السيد إبراهيم!

في حديث بلقيس معي على هامش دعوة السفارة قالت إن نزاراً كان خصباً في نتاجه الشعري حيث أصدر خلال الفترة التي أعقبت اقترانه بها ستة دواوين. ثم توقف لمدة طويلة قبل ان يبدأ بإصدار دواوين جديدة. ان نزار قباني، يرى ان الشعر هو جسر من الكلمات الجميلة الذي نمدّه الى الآخرين وعندما لا يكون هناك جسر لا يكون هناك شعر. وتذكر بلقيس انها لمست من أحاديث نزار معها ان مصادره الشعرية الأولى (شامية) بامتياز، و"هو لن ينسى يوماً ياسمين دمشق ووردها وريحانها وحمائمها وسيمفونية الماء في باحات بيوتها القديمة وقاعاتها المطعمة بالصدف والفسيفساء".






























بلقيس


وغادرنا مقر السفارة، ومساء توجهت عائدا الى بغداد وفي اليوم التالي الخميس (15/ 1/1981) جاءني الخبر المؤلم: لقد استشهد الصديقان السفير عبدالرزاق وحارث ومعهما بلقيس الراوي و51 من موظفي ومراجعي السفارة أثر تفجير إجرامي للسفارة العراقية في لبنان.

هذه هي صورة "بلقيس الراوي" بقيت محفورة في ذهني ولا أظن أنني سأنساها مطلقا. نزار الصعب، السهل!

قال الأديب محمد مروان مراد من على منصة المركز الثقافي العربي في الشام، إن الحديث عن نزار قباني صعب وأنه يشبه الإبحار في عرض محيط شاسع صخّاب. وتأتي المشقة في الحديث عن نزار لأنه الشاعر المحلّق الذي انتظمت قصائده في عناقيد ملونة تركها في متناول الناس من كل جيل.

وتأتي الصعوبة أيضا من محاولة رصد أعمال الشاعر واستعراض المحاور العديدة التي دار شعره حولها والتأمل فيها واختزال مسيرة إبداع تواصلت لأكثر من نصف قرن.

وأجد أن الحق مع ما قاله الأديب محمد مروان، فقد حظي نزار بجماهيرية واسعة وأصبح بلبل الشرق المغرد، المتفرد لخمسة عقود من الزمن، واستطاع أن يقيم مدرسة جديدة في الشعر العربي، رسّخ بنيانها على أسس من الإيمان بالشعر، بما يمتلكه من قوة طاغية وجاذبية شديدة وعذوبة آسرة وهو القائل "إذا لم ينزل الشعر الى الشارع ولم يختلط بدم الناس ولحمهم وأعصابهم وأحزانهم ومدامعهم لا يكون شعراً".






























نجاة الصغيرة


وفعلاً ان نزاراً يكتب الشعر من شفاه الناس ويمرره على مصفاة الشعر ثم يعيده إليهم! ونزار مؤمن بأن الشعر يجب ان يبقى ماء جارياً لا ماء معّباً في زجاجات، والشعر عنده ليس ترفاً بل هو ضرورة اجتماعية لتحرير الإنسان من القهر والتخلف ولإستنبات أزهار الأمل الناضرة وضياء التطلع الى ألأجمل في أعماقه.

هكذا كان إيمان نزار بالشعر، ولذلك كان عليه كي يقدمه الى الآخرين، ان يشق درباً جديدة مختلفة عما عهده الناس على مدار السنين، فأقدم غير هيّاب متسلحاً بعناصر فنية غير مألوفة في الشعر قبلاً: لغة خصوصية، صورة مبتكرة، أسلوب جريء وموسيقى خلابة. ومن خلال عناصره الفنية غير الاعتيادية، أستطاع نزار قباني ان يحقق خطوته الأولى على تلك الدرب ويقدم للناس مجموعته "قالت لي السمراء" عام 1944 التي تميزت بمفهومه الجمالي الجريء. قدّمت تلك القصائد نزار كشاعر موهوب، أمتلك الحق في التعبير عن افتنانه بجسد المرأة وإقباله على الحياة وقدرته على التصوير الدقيق لما في داخله من حيوية ترفض الزهد الزائف والنفاق وإخفاء الطرب بكل ماهو جميل ومثير في الدنيا.

لقد دارت قصائد مجموعاته الأولى "طفولة نهد" 1948 و"سامبا" 1948 و"أنتِ لي" 1950 في نفس الدائرة وهي الاهتمام بجسد المرأة والتعبيرُ عن الفهم والرغبة التي تبلغ حد العنف والتوحش في الحبّ الجسدي والاهتمام بالتفاصيل الصغيرة للجمال الأنثوي. لقد بلغت نشوة نزار بالحياة في هذه المجموعات حدّها الاقصى وبلغ سكُره بخمرة الجسد الرشيق الجميل حداً لم يصل اليه شاعر عربي آخر، وكل ذلك بألفاظ عذبة وموسيقى ناعمة منتقاة من تغريد الطيور وهسهسة الجداول واهتزاز الأغصان حين يهزها النسيم الرقراق!






























رسالة إلى نجاة


لم يترك نزار مرحلة من عمر المرأة إلا توقّف عندها ولم يدع لمسة سحر فيها إلا صورها بعدسة جوارحه السحرية. وراح يحكي مرة عنها، ومرة يتركها تصرّح عن مكنونها بنفسها. وقد بلغ احتفال نزار بالشعر حداً، حلم معه بـ "المدينة الشاعرة" التي تكتب أشجارها الشعر وأطفالها يكتبون الشعر، نساؤها يكتبن الشعر. من الشعر التقليدي الى العمودي. وليس جديداً القول إن نزاراً بدأ بكتابة الشعر التقليدي ثم انتقل إلى الشعر العمودي، وأسهم في تطوير الشعر العربي الحديث إلى حد كبير. وقد تناولت دواوينه الأربعة الأولى قصائد رومانسية. وكان ديوان "قصائد من نزار قباني" الصادر عام 1956 نقطة تحول في شعر نزار، حيث تضمن هذا الديوان قصيدة "خبز وحشيش وقمر" التي انتقدت بشكل لاذع خمول المجتمع العربي وتميز قباني أيضاً بنقده السياسي القوي، ومن أشهر قصائده السياسية "هوامش على دفتر النكسة" 1967 التي تناولت نكسة الخامس من يونيو/حزيران. وأنني مع الأديب المعروف عبدالعزيز المقالح في رؤيته للغة نزار حيث يرى ان اللغة في مفهوم نزار قباني ليست أداة توصيل جامدة تنقل المعنى عارياً وخالياً من الأضواء والظلال، وإنما هي كائن جميل يتم التعامل معه بانفعال صادق وإشراقة روحية تؤدي إلى استخراج ما في قراراته من معطيات إيقاعية وموسيقية، وأسلوبه في كتابة القصيدة لا يكاد يختلف كثيراً عن أسلوبه في كتابة المقالة او الرسالة والسيرة الذاتية.

ولنا أن نقول دون حذر إنه مسكون بالشعر إلى درجة يصعب معها تخليه عن شروط هذا الفن ومقوماته في كل ما يكتب على الرغم من وجود فوارق لا تخفى بين شعره ونثره أبرزها الانضباط الشديد في النثر والانطلاق الأشد في الشعر المفتوح على عوالم واسعة من الانفعال والعفوية والخيال.

رسالة للمطربة نجاة الصغيرة

وتأكيدا لما ذكره الأديب المقالح، أورد نصاً بخط الشاعر نزار قباني عبارة عن رسالة كتبها للمطربة نجاة الصغيرة من بكين عاصمة الصين، حيث كان هناك وقت إذاعة أغنية "أيظن" الشهيرة في ستينيات القرن المنصرم وهي مأخوذة من إحدى قصائده، وقد ظلت زوجته "بلقيس الراوي" تحتفظ بنسخة منها. قال فيها: "أيتها الصديقة الغالية .. لا أزال في آخر الدنيا .. أنتظر الشريط الذي يحمل أغنيتنا (أيظن) تعيش في الصحف .. في السهرات وعلى شفاه الأدباء .. وفي كل زاوية من الأرض العربية .. وأبقى أنا محروماً من الأحرف التي أكلت أعصابي .. يالك من أم قاسية يا نجاة .. أريتِ المولود الجميل لكل إنسان وتغنيت بجماله في كل مكان .. وتركت أباه يشرب الشاي في بكين، ويحلم بطفل أزرق العينين، يعيش مع أمه في القاهرة .. لا تضحكي يا نجاة إذا طلبت ممارسة أبوتي، فأنا لا يمكن ان أقنع بتلقي رسائل التهنئة بالمولود دون أن أراه .. فأنهضي حالا لدى وصول رسالتي، وضعي المولود في طرد بريد صغير .. وابعثي به الى عنواني .. إذا فعلت هذا كنت أما عن حق وحقيقة، أما إذا تمردت، فسأطلبك الى بيت الطاعة رغم معرفتي بأنك تكرهينه".

انتهت رسالة نزار للمطربة نجاة الصغيرة ويلاحظ فيها الأسلوب الذي أشار إليه الأديب المقالح.

وتأسيساً على ما جئت به في مستهل المقالة من حديث عن السيدة "بلقيس الراوي" زوجة نزار قباني التي كانت ملهمته في الكثير مما كتب من أشعار وجدانية وام ابنته "زينب" وابنه "عمر"، لا أجد ضيراً من الحديث عن بعض خصوصياته. ونبدأ بزواجه الأول، حيث تزوج بعد سنوات من انتسابه الى السلك الدبلوماسي السوري, بقريبة له هي "زهراء أقبيق", أم ابنه توفيق وابنته هدباء. وقد جاء زواجه بها في مرحلة البدء في إقلاعه نحو عالم الكفاح الصعب بسيف الشعر ونحو آفاق الشهرة وكانت زهراء "سيدة بيت", نمت وترعرعت في بيئة اجتماعية محافظة شامية تقليدية, وكانت اتصالات ورسائل "المعجبات" قد بدأت تنهمر على نزار انهمار المطر, من شتى أرجاء الوطن العربي, وكان نزار وسيما أنيقا رشيقا قويا رقيقا في آن, ولم تكن لدى زهراء قدرة تعينها على تحمل أن يكون زوجها لها ولغيرها, فكانت تسارع الى تمزيق رسائل المعجبات به وبشعره, ولم يكن ثمة مفر من تصادم الماضي بالمستقبل الآتي الأكثر تطورا وجمالا.. فانفصلا بالحسنى.






























مع بلقيس


وفي عقد الخمسينيات ارتبط نزار بعلاقة وطيدة, بحفيدة رئيس الوزراء السوري الأسبق "فارس الخوري", كوليت خوري, ابنة سهيل خوري, النائب الأسبق في المجلس النيابي السوري، وقد سجلت كوليت تفاصيل علاقة الحب العاصف التي جمعتها بنزار في روايتها الشهيرة "أيام معه" كان نزار هو بطل الرواية!

وقد شهد نزار في حياته الكثير من المواقف المحزنة، لعل أبرزها وفاة ابنه "توفيق" من زوجته الاولى وهو في السابعة عشرة من العمر مصاباً بمرض القلب وكانت وفاته صدمة كبيرة لنزار وقد رثاه في قصيدة إلى "الأمير الدمشقي توفيق قباني".

وفي عام 1981 استشهدت بلقيس الراوي في انفجار السفارة العراقية ببيروت الذي جئنا على ذكره سابقاً، وترك رحيلها أثراً نفسياً عميقاً عند نزار ورثاها بقصيدة شهيرة تحمل اسمها "بلقيس".

وبعد استشهاد بلقيس ترك نزار بيروت وتنقل في باريس وجنيف حتى استقر به المقام في لندن التي قضى بها الأعوام الخمسة عشر الأخيرة من حياته. ومن لندن كان نزار يكتب أشعاره.

لقد مات الشاعر الذي كان يكتب ليفجر الاشياء، فالكتابة عنده انفجار. كتب كي ينتصر الضوء على العتمة. كتب كي تقرؤه سنابل القمح وتفهمه الوردة والنجمة والعصفور والقطة والأسماك والأصداف والمحار. مات من حاول إنهاء عصر التخلف، ليؤسس عصراً جديداً من الورد. ويكفيه انه لم يكتف بالوقوف الخرس أمام المشهد الكارثي، بل تدفق شعره ينبه النيام ويستحث العزائم. أليس هو من قال: لقد راهنتُ على ديمقراطية الشعر فنجحت، وراهنت على بساطة اللغة فنجحت، وعلى وجدان الجماهير فنجحت، وعلى حرية المرأة وحرية الحب فنجحت!

وُلد نزار قباني في مارس/آذار عام 1923 وفي 30 أبريل/نيسان عام 1998 أذنت شمس نزار بالغروب، فطوى الطائر جناحيه إلى الأبد بعد أن أكد أن المنتصر الكبير كان الشعر والرابح الأول كانت الكلمات الجميلة .. رحم الله نزارا .. الإنسان الشاعر والشاعر الإنسان!

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • Twitter
  • RSS

سيتعاطف القارئ مع حليمة، وسيقتنع بأن هذا الإرث ذنب في حقها، فبسببه كرهت الحب والزواج، بيد أن ما يربكها هذه الازدواجية في عواطف وتصرفات الأبوين.










عرض: هشام بنشاوي

















هكذا تبدأ الكتابة



رغم أن الرواية تناهز الثلاثمائة وثمانين صفحة من القطع الكبير، فقد كنت حريصاً على أن أنهي قراءة "عزّوزة" في وقت قياسي، فهي بخلاف تلك الروايات المملّة التي يغرق كتّابها في الحشو اللغوي والإطناب السردي، ولن أبالغ إن قلت بأنها أجمل ما كتبته الزهرة رميج على الإطلاق! مع أني أنفر- عادة - من الكتابات التي تنضوي تحت باب الأدب النسوي، حتى لا أتحسر، مرة أخرى، على وقت ضيعته في قراءة كتب لا تستحق الالتفات؛ كتب تتاجر بمعاناة المرأة، بدل أن توقظ شمعة في دربها المتعم.

تبدأ الرواية بحديث حليمة مع أمها عزوزة، قبل أن تلج غرفة العمليات، وتترك حليمة فريسة للقلق، بردها على سؤال الأب الميت، الذي يستعجل حضورها. إنها قادمة، ومن قبل، حين كان يزورها في المنام تجيبه بأن الوقت لم يحن بعد.

وينتقل الفصل الثاني من قاعة الانتظار إلى القرية، في ظهيرة يوم صيفي قائظ، حيث لا يصمد بشر ولا حيوان، وحدها الطفلة المدللة عزوزة عند البئر، وتنتابها الرغبة في السباحة في النهر، فتتذكر تحذيرات الفقيهة (زوجة أبيها)، لأنها لم تعد طفلة كما كانت، ثم تتفيأ ظلال شجرة التين المقدسة، التي تحوم حولها أرواح الأجداد، ونتعرف على علاقتها بأبيها، التي تختلف عن علاقات سائر إخوتها البنات والذكور بالأب، ثم صلتها الحميمية بزوجة أبيها، التي غلب لقب الفقيهة على اسمها، فكانت عزوزة محظوظة بأمّين، بدل أم واحدة، فزوجة أبيها (أولى زوجاته)، لم تكن تنجب، لأن رحمها يسقط الجنين في شهوره الأولى. ولعل القارئ سيستغرب هذه العلاقة المثالية، غير المعهودة بين ضرتين! ثم نتعرف على انجذابها الصامت إلى أحمد، صديق أخيها البكر عبدالرحيم، واختلاج قلبها حين تسمع صهيل فرسه عند زيارته لأخيها.

وفي ليلة سمر يعاتب الأصدقاء أحمد على أنغام "الكنبري" الحزينة، فيقترح الحلوف (الخنزير) أن يعدوا أغلى شاي، بالأوراق النقدية بدل الجمر، ويشرع في تنفيذ فكرته المجنونة ليتباهى بثروة أبيه، مما يدفع أحمد إلى أن يصارح صديقه برغبته في الزواج بـ "عزوزة"، وكان هذا الأخير يعرف مشاكله مع بنت خالته، التي كان يعاملها بقسوة، ليرغمها على أن تهرب من بيت الزوجية، ورغبة أمه في أن تزوجه ابنة خاله، مثلما كان يعرف أنه زير نساء.

حين لاح موكب الخطبة قادما، اختفت عزوزة، وأدهش الحاج الجيلالي تعبيرها عن رفضها الزواج بتلك الطريقة الجنائزية، بالتفرغ في الرماد، ولأن إرجاع جهاز العروس إلى بيت العريس نذير شؤم، وخوفا من موت العريس أو أحد أفراد عائلته.

يتوقف الموكب أمام بيت فيه بنات في سن الزواج، ويقسم والد عزوزة على جلدها، فيتدخل أخوها عبدالرحيم، ويقبل نعليه، ولم يتراجع عن قراره إلا عند قيام أبناء عمومته بذبح كبش فداء لعزوزة، التي يعلم الجميع أنه سماها على أبيه، فأنث الاسم الذي لا يؤنث (عزوز)، وأمام فعلتها لم يجد والدها إلا قبول أحمد زوجا، بينما تصر أمه على رفض الزواج، وتعاملها بجفاء، ويأتيها خبر وفاة والدها إثر إصابته برصاص المستوطنين الفرنسيين، ويموت الأخ قبل الأربعينية، بينما تستمر قسوة الحماة، بعدما أنجبت بنتين (حليمة ونوارة) على التوالي.

***

يعود السرد إلى قاعة الانتظار، وتتذكر حليمة ردها على عزوزة - هكذا كانت تناديها، منذ طفولتها - بأنها ترفض الزواج، حتى لا تكرر مأساتها، ويعذبها من تحبه العمر كله.

في الفصل التالي، بعدما ينفض السوق الأسبوعي بالمدينة يلج أحمد مبغى، مبررا خيانته بانشغال زوجته ببنتيها والأشغال المنزلية، وكذلك شجارها اليومي مع أمه.

في المبغى يرتبط بفاطمة، أو فاتي كما يدعوها الزبائن النصارى، بعدما علم أن حبيبته مريم تزوجت نصرانيا وصار اسمها ماري، وبفضل بنحمّادي - الذي صادفه هناك - سيتعرف على مسيو فرانسوا، ويصير شريكه في التجارة، فينتقل إلى العين الزرقاء، ليستقر بالدكان بدل التنقل بين الأسواق الأسبوعية، وفي بيتهم الجديد تضع عزوزة، وحدها، ابنا، بعد أن رفضت الحماة أن تبقى معها هنية، وبعد أن تسترد وعيها، تعلم بأنهم دفنوه، وتتهم حماتها بأنها السبب في قتل وليدها، إثر شجارهما.

وللتعرف على محيطها، تطلب من أحمد أن تخرج من البيت وحدها، لتزور مرجانة، زوجة بلخير حارس بيت فرانسوا، أما الحماة التي طلب منها أحمد أن تحل محله بالدكان ليعود إلى تجارته بالأسواق، فتعود إلى الاهتمام بأنوثتها، عند سماعها كلمات غزل من فرانسوا، فتعتقد أنه يحبها، وتنتظر بلهفة أن يعبر لها عن رغبته في الزواج، وجن جنونها حين رأته يلاطف حفيدتيها، فاختلقت كذبة علاقته بعزوزة، فانهال أحمد على زوجته بركلاته. هكذا تصير مرجانة الصدر الحنون والأم البديلة لعزوزة، بعد موت الفقيهة والأم وسائر الأهل غرقا، بسبب الأمطار الطوفانية، التي أدت إلى فيضان النهر.

وتعتبر ولادة حسن ميمونة، لأنه ولد مختونا، فضلا عن انتقالهم إلى بيت جديد، يضم مركزا تجاريا، ورغم أن عزوزة أنجبت الحفيد الذكر، فقد استمرت المشاكل بينها وبين حماتها، وفي المبغى يهجر أحمد فاتي، بعد أن علم بأنها مع زبون، حيث كان الاتفاق مع صاحبة المبغى (طامو) أن يدفع مقابل شهر، وتبقى له وحده، فتعرض عليه الحمرية، الفتاة الجديدة بالمكان، وحديثة العهد بالدعارة، بعد أن طلقها ابن عمها بسبب عقمها، وسرعان ما يعلن عن رغبته في الزواج منها، مثلما سيتمسك برفضه العودة إلى فاتي التي أحبته، مما كان يسبب الخلافات بينها وبين الحمرية، وهو ما ترفضه طامو، لأن المكان ليس للحب، وتعترض على فكرة زواجه، لأنها كانت تخشى أن تفقد زياراته، وأمواله.

أثناء قراءتنا للمتن للحكائي، سنلاحظ حضورا قويا لحليمة، وهي كما أشرنا سابقا تنادي أمها باسمها فقط، كما أن الرواية تحفل بالتفاصيل الدقيقة، المتدفقة في سرد انسيابي آسر، لذا أمارس الانتقاء، مركزا على أهم الأحداث. لكن هذا العرض لا يغني عن قراءة الرواية.






























الكاتبة الزهرة رميج


***

في ظل غياب أحمد بالمدينة، تنجب عزوزة بنتين توأما، ولكي يجعل بنحمّادي مخططه ينجح يقنعه بأن يجعل عزوزة تغادر البيت، حيث سيبلغها - وبحسن نية - محمدين عامل المطحنة بنية زوجها ذبحها، ويساعدها على الهروب، تاركة حليمة ونوارة، وفي الطريق، يصادفها بنحمّادي، الذي يخبرها بزواج أحمد الليلة، وكان بذلك يريدها أن تطلب الطلاق ليتزوجها، بعد أن يطلق إحدى زوجاته الأربع، وهو الذي كان يتحين الفرص لرؤيتها، كلما زار بيت صديقه. فتطلب منه أن يوقف سيارته.

تستقر عزوزة في بيت هنية، لكنها سرعان ما تتنازل عن كبريائها، وترضى بالعودة إلى بيتها - لأن لا أحد يتحمل أبناء غيره، ثم ضعفها أمام شوق حسن إلى أبيه وبكائه كل يوم - عند زيارة أحمد لها، وتقتنع بأن تمثيلية الذبح دبرها حتى يهنأ بليلة زفافه، وتتألم لوجودها، وتلجأ إلى استخدام سلاح أنوثتها، لكنها لا تدعه يلمسها. ولأن الحمرية لاحظت أن طبخ عزوزة يستهويه، تلجأ إلى إفساده، بوضع كمية كبيرة من الفلفل الحار، فتتشاجران، ويعاقبهما معا، بجلدهما بالسوط، وتلجآن إلى الهدنة.

***

يلتقي أحمد بماري، ويدبر اللقاء بنحمّادي، معلنا عن رغبتها في تبنى إحدى بناته، لتؤنس وحدتها، بعد أن صار زوجها مشلولا. يعلم أنها تزوجت نصرانيا عجوزا حتى لا تلقى نفس مصير طامو البائس، فهي تهيئ للرجال سبل المتعة وهي محرومة منها، بل إنهم يعافون جسدها.

تزوره ماري في بيته مع بنحمّادي وسائقها، الذي تقمص شخصية الزوج، لكن الحمرية تصارح عزوزة بشكوكها، ويرضخ أحمد لشرط انضمام عزوزة إلى الضيوف، بأن تعد الشاي في حضورهم، حتى يتسنى لها أن تراقب خفية ما يحدث من حولها، فتلاحظ أن نظرات زوجها مسلطة على ماري في جلستها الفاضحة، بتنورتها القصيرة، بينما صديقه بنحمّادي يتلهمها بعينيه، دون أن ينتبه زوجها.

كان مخطط بنحمّادي، الذي باء بالفشل، أن تستفزها تصرفات زوجها، فتصر على الطلاق، ويحقق أمنية بنحمادي أمام الضيوف. وتنتهي الليلة باعتداء أحمد على الزوجتين معا بجنون، بعد مصارحتهما له بالحقيقة، وانتقادهما لاستضافة صديقته المومس في بيت الزوجية، التي أوهمهما أنها فرنسية.

في بيت ماري يلاحظ أحمد أن صديقه توجه إلى الطابق العلوي متجاهلا وجوده، فيعلم منها أنه يشرف على شؤون زوجها، ولمساعدته على إجراء العملية، يعرض عليه بنحمّادي شراء محصول الضيعة للسنة القادمة، وأمام تخوفه، يثير نخوته ليعبر عن حبه لمريم. وبذهاب حليمة إلى المدينة لمتابعة دراستها، تحس عزوزة بالوحدة، فحليمة كانت صديقتها وكاتمة أسرارها، وتتذكر حلم الجمل الذي حكته لها مرارا، حيث الجمل في الحلم يرمز إلى أحمد، لأنه غدار مثل الجمل.

ومع اندلاع المقاومة، يرد المستعمر بالهجوم على الفلاحين بالطائرات، مستغلا تجمعاتهم في الأسواق الأسبوعية، وبإتلاف المحاصيل وإحراق الحقول. أما مريم فترحل مع زوجها إلى فرنسا، مثلما سيغادر مسيو فرانسوا، ويختفى بنحمّادي، ويقابله أحمد مصادفة. يسأله عن الضيعة والمحصول الذي اشتراه، والذي لا أثر له، فيرد عليه بأن المقاومة أربكت كل شيء، ويتهمه أحمد بأنه ورطه في الصفقة، وهو يعلم بأن الفرنسيين كانوا يصفون ممتلكاتهم، ويتهمه بأنه من وشى بالإدريسي (معلم القرية)، وأن حرصه على ممتلكاته الخاصة دفعه إلى خيانة الوطن والأصدقاء.

هكذا ستتبخر ثروة أحمد، ويقرر الرحيل إلى المدينة، ويبيع البيت والمركز التجاري. يغادر القرية بعد أن رفضت أمه- التي عادت للإشراف على أراضيها بعد وفاة الخال - مساعدته لشراء المحصول.

وفي فصل موجع، شديد العذوبة، تصف الزهرة رميج فراق أحمد الأليم لصديقه الأدهم حصانه الذي رفض بيعه للفلاحين، لأن لا أحد سيحسن معاملته، فيقرر بيعه لغريب في السوق، لكن المشتري يفاجئه بأنه سيأخذه إلى المجزرة، ويحاول استعادة الأدهم، لكن الرجل رفض أخذ المال وتهجم عليه وانهال بالسوط على الحصان ليحثه على السير. ويخيم جو الحداد على البيت، فلكل واحد من أفراد الأسرة ذكريات مع الحصان، وبقى أحمد طريح الفراش أياما، في حين تخبر الحمرية عزوزة بأنها ستطلب الطلاق، لأنها لم تعد تتحمل معاملته القاسية ونفوره منها. وفي المدينة، تبقى العلاقة جافة بين الزوجين، وتحس عزوزة بالانكسار حين صد محاولتها التقرب منه، وتصير حليمة صلة الوصل بين الأبوين.

***

يعود السرد إلى حليمة في قاعة الانتظار، وقد غادر الطبيب الجراح غرفة العمليات بوجه مكفهر، فأدركت حليمة أن أمها فارقت الحياة، وتحاول الانتحار، فرغم نجاح العملية، فالأم كانت ترغب في الموت للحاق بزوجها، ولأن حليمة لن تتحمل رحيل أمها، فكانت تفكر في اللحاق بها بالانتحار، دون أن تصارح أمها، التي كانت تحاول إقناعها بالزواج والإنجاب، حتى تجد من يعتني بها في شيخوختها.

تستغرب حليمة كيف أن أمها تحب والدها، رغم كراهيتها المعلنة له، فهو سبب معاناتها في مرض القلب بنفيها من حياته، ومراهقاته المتأخرة مع فتيات في سن بناته، حيث كان يتعمد ترك صوره معهن ظاهرة، وتبلغها العمة هنية بوصية الأب، التي طلب منها ألا تخبر ابنته بها إلا عندما تحس بنهايتها (نهاية العمة) أو نهاية عزوزة. فتعلم حليمة أن والدها أصيب بالعجز الجنسي بعد إفلاسه التجاري.

حتما، سيتعاطف القارئ مع حليمة، وسيقتنع بأن هذا الإرث ذنب في حقها، فبسببه كرهت الحب والزواج، بيد أن ما يربكها هذه الازدواجية في عواطف وتصرفات الأبوين.

وبعد غيبوبة طويلة بالبيت، تجد حليمة نفسها نزيلة مصحة نفسية، حبيسة "الغرفة السوداء"، كما يسمونها هناك، تلك الغرفة المعتمة ليلا ونهارا، ويأمر الطبيب أختها شميشة بجلب أوراق وقلم لها. هكذا ستدفعها رغبتها في البوح إلى الكتابة لاستعادة التوازن، وتحميها أيضا من الانتحار، كما يشرح لها الطبيب، ولأنها كانت الأقرب إلى أمها، فهي لم تكوّن أسرة كبقية إخوتها، وهكذا تبدأ في الكتابة، وتكتب في أعلى الصفحة، وبخط بارز: "عزوزة".

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • Twitter
  • RSS

مختبر السرديات المغربي يختتم موسمه بالحلم والذاكرة والغياب


في إطار أنشطته الثقافية المتواصلة نظم "مختبر السرديات" بتنسيق مع ماستر الدراسات الأدبية والثقافية بالمغرب لقاءً ثقافيا، دارت فصوله حول موضوع "تخييل التاريخ في الخطاب السردي الروائي المغربي"، الجمعة 13 مايو/آيار 2011، بقاعة المحاضرات بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك بالدار البيضاء. وأدارت الباحثة مستحية القاسمي أشغال الندوة التي عرفت مشاركة أربع باحثات حاولن إلقاء الضوء على أدب يرتبط بالتاريخ، يغوص بنا بعيدا في الذاكرة و الغياب.

الورقة الأولى في هذا اللقاء قدمتها الباحثة نادية شفيق، حول رواية "حب على رصيف القرويين" للكاتبة زبيدة هرماس، عنونتها بـ "تاريخية البطل وإشكالية البطل التاريخي"، وترى الباحثة أننا إزاء مغامرة فنية جديدة هاجسها الانتقال من الرواية بوصفها سردا لما حدث، إلى الرواية بوصفها بحثا في ما حدث وتأويلا له، عبر تقنيات تستثمر إمكانات الرواية التقليدية وتتحرر منها في آن واحد. فقد أفصحت الروائية زبيدة هرماس عن رؤيتها التي تتشابك فيها التجارب وتتجاذب فيها الأحداث، متخذة من التاريخ مادتها الأساسية لصوغ خيوط عملها الفني، فهي لم تنقل التاريخ بقدر ما ساوقته مع شخوصها مُعرجة عبر الذاكرة والتداعيات مستحضرة مناخات تلك المرحلة المشكلة لبنية روايتها وشبكة علاقاتها بقصد رصد وفهم التبدل المتسارع، محاولة اقتحام عوالم مغايرة على مستوى الفكرة والحدث وآليات السرد، فتوسلت عبر كل ذلك تصوير الأمكنة كمسجد القرويين، وبناء المشاهد وتركيب الحوارات، ساعية خلف الرغبة في الإمساك بزمام دلالة الألفاظ، في قالب محبوك وهو ما طال الرواية، حيث تعمقت في الأمزجة وصاغت ردود أفعال شخصياتها ونزلت إلى تمفصلات المجتمع المغربي لتخلق نصا إبداعيا ثمرته وحدة التجربة الإنسانية.

واختارت الباحثة كريمة رضواني "شمس الذكرى لا تغيب" عنوانا لمداخلتها التي تمحورت حول رواية "مسك الليل" لسعيد بن سعيد العلوي، معتبرة رواية مسك الليل مخزونا لذاكرة الكاتب الذي عاش على أمل توليدها في قالب روائي، مخزون مفعم بحمولات سياسية تاريخية، يحملها الكاتب في مخيلته ليصور انطلاقا منها واقعه التاريخي، واقع عاشه مجتمعه في فترة معينة، كما رسم فيها جغرافية وعلائق بلده الذي شكل قيمة وأصبح ذا وزن عند غيره من الفرنسيين الذين استفادوا من خيراته وطبيعته ورجالاته، كل ذلك انطلاقا من تطرقه لمجموعة نقط أبرز من خلالها الوضع السائد آنذاك.

وترى الباحثة أن الكاتب لم يعين بطلا لروايته، فكل شخوص الرواية أبطال رجالا ونساء وأطفالا؛ وما هذا في نظرها إلا دليل على الدور البطولي الذي لعبه معظم المغاربة في مرحلة الاستعمار.

تلت، بعد ذلك، الباحثة حسنى كرون مداخلتها تحت عنوان "نفحات الذاكرة في رائحة المكان" لعبدالإله بلقزيز، وهي ترى أن الرواية سيرة أدبية تعريفية لأهم الأجناس الكلامية ولأهم المفاهيم البلاغية مثل البيان والنظم والسجع والنثر والشعر والكتابة والقراءة وأيضا للمفاهيم الفلسفية مثل الوجود الحياة و الحرية. فرائحة المكان هي فعل للتذكر، واسترجاع لزمن ولى من ومضات حياة مليئة بالأحداث وصلتنا عبر الكلام الجميل الذي يرصع اللغة ويهتم بجماليتها وأسلوبها مما يتعذر معه التمييز في الرواية بين النثر والنظم.

الورقة النقدية الأخيرة حول رواية "ذاكرة الغياب" لعبدالعزيز كوكاس، قدمتها الباحثة سميرة مترجي، بعنوان "ذاكرة الغياب: سمفونية الذات والعشق والرحيل"، معتبرة الرواية تجربة إبداعية تثير الجدل والتساؤل حول البوح والعشق والرحيل.

وخرجت ذاكرة الغياب، حسب الباحثة، من أسرار السائد والكائن واتجهت إلى آفاق مغايرة لتعلن العصيان والتمرد على القيم؛ فالرواية تمتلك قدرا هائلا من الوهج والمشاغبة، والحركة والحزن والجمال، والعذاب والغياب.

وفي ختام هذا اللقاء فُتح باب نقاش عميق حول التخييل، كآلية من آليات التعبير والتحويل في الرواية المغربية؛ كما تم التذكير بأن مختبر السرديات هذه السنة قد قارب أزيد من عشرين رواية مغربية متنوعة الأساليب، ويكون هذا اللقاء خاتمة الأنشطة لهذا الموسم حول السرد المغربيfatma_fal_2@yahoo.com

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • Twitter
  • RSS



الرباط ـ تعلن الشاعرة المغربية إكرام عبدي عبر ديوانها "يدثرني الغامض فيك" عن مشروعها الشعري الجديد الذي يرتكز على شعرية البوح عبر لغة شعرية تفصح عن رغبات الجسد وأصواته وأحلامه.

الديوان الذي يقع في 135 صفحة من القطع المتوسط ويحتوي على 29 قصيدة، يعبر عن رحلة عميقة إلى أغوار الجسد ورغبة ملحة في الإنصات إلى نداءاته العلنية والخفية في حوارية مكشوفة بين الذات والآخر الذي لا يتخذ فقط صفة المغايرة بل صفة مرآة الجسد بما يحفل به من طاقة وافتتان.

تقول الشاعرة في قصيدة "سيرة جسد":

لي جسد من سلالة الحرف

ألبسه في العراء

أتلظى في حضنه

أحترق بجمرات حروفه،

وعلى كومة الرماد

أجلس القرفصاء،

أرفع الأنقاض عن حروفي المتشظية،

وأرثي الحلاج

"يدثرني الغامض فيكِ" أنجز غلافه الفنانة التشكيلية مليكة أجزناي، واحتوى على القصائد التالية: ذاك الشاعر، ليتني الحاء، مقام البوح، مستشفى، هي أقاليم أخرى، سيرة جسد، في البدء كانت أنثى، كازابلانكا، قبر الكلمات، لحظة صدق، وحدة، قصيدة، صقيع، خرس، توحد، خريف، رغبة، أنوثة، القميص الأحمر، جيد النهار، جسر، ليل أعمى، قسوة، شموع وثنية، هبة، أمطر.. تمطر القصيدة، وكأنني مرساة أحزان، صباح لا صوت للحكمة فيه.

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • Twitter
  • RSS

طبعة ثانية من رواية غرف حنين لـ"نسرين البخشونجي

صدرت في القاهرة الطبعة ثانية من رواية "غرف حنين" للمبدعة الشابة "نسرين البخشونجي" " بعد نفاد الطبعة الأولى في فترة وجيزة ، وغرف حنين هي العمل الروائي الأول للبخشونجي، قسمت خلالها العمل إلى 12 غرفة لتروى من خلالها قصة أربعة سيدات من طبقات اجتماعية و ثقافية مختلفة يعشن في مكان واحد, أما البطل فهو "زاكى" الشاب المغربي المثقف.



وقد اختارت الكاتبة مشاعر الوحدة و الحنين لتكون التيمة الأساسية للرواية و الخيط الذي يرتبط به جميع الشخصيات، تستعرض عدد من القضايا الاجتماعية المختلفة مثل ظاهرة التدين المظهري, التطرف الناتج عن مشكلات التربية بالإضافة إلى المثلية الجنسية.



وعلى الغلاف الخلفي للرواية نقرأ "أتدري يا زاكي، أنا لست تلك المرأة المهذبة التي تتكلم معك، ولا تلك الأنيقة التي تبدو في صورة البروفايل، كما أنني لست تلك الحنونة التي ساعدتك على الحديث في أمور شديدة الحساسية دون أن تشعر بحرج، ولست تلك التقية الورعة المولعة بالصوفية والتصوف"



يذكر أن هذه الرواية هي ثاني عمل إبداعي للكاتبة بعد مجموعتها القصصية "بُعد إجباري" عام 2009

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • Twitter
  • RSS