ما أبشع أن تكون ضعيفا المُـغَـــفَّــــلــــــ ة من روائع: أنطون بافلوفتش تشيخوف

altمنذ أيام دَعوتُ الى غرفة مكتبي مُربّية اولادي يوليا فاسيليفنا لكي أدفع لها حسابها

قلت لها: اجلسي يايوليا..هيّا نتحاسب..أنتِ في الغالب بحاجة إلى النقود، ولكنك خجولة إلى درجة انك لن تطلبينها بنفسك..
حسناً.. لقد اتفقنا على ان ادفع لك ثلاثين روبلا في الشهر
قالت: أربعين

قلت: كلا،ثلاثين..هذا مسجل عندي

كنت دائما ادفع للمربيات ثلاثين روبلا
حسناً،

لقد عملت لدينا شهرين
قالت: شهرين وخمسة أيام

قلت: شهرين بالضبط..

هكذا مسجل عندي..

إذن تستحقين ستين روبلا..

نخصم منها تسعة ايام آحاد..

فأنت لم تعلّمي كوليا في أيام الآحاد بل كنت تتنزهين معهم فقط..

ثم ثلاثة أيام أعياد
تضرج وجه يوليا فاسيليفنا،

وعبثت أصابعها بأهداب الفستان ولكن..

لم تنبس بكلمة

*******
واصلتُ:

نخصم ثلاثة أعياد،
إذن المجموع اثنا عشر روبلا..

وكانت كوليا مريضة أربعة أيام ولم تكن تدرس..

كنت تدرسين لفاريا فقط..

وثلاثة أيام كانت أسنانك تؤلمك فسمحتْ لك زوجتي بعدم التدريس بع الغداء..

اذن اثنا عشر زائد سبعة.. تسعة عشر.. نخصم، الباقي ..هم.. واحد واربعون

روبلا.. مضبوط؟
احمرّت عين يوليا فاسيليفنا اليسرى وامتلئت بالدمع، وارتعش ذقنها..

وسعلت بعصبية وتمخطت، ولكن..

لم تنبس بكلمة

*******
قلت: قبيل رأس السنة كسرتِ فنجانا وطبقا..

نخصم روبلين..

الفنجان أغلى من ذلك،فهو موروث، ولكن فليسامحك الله!

علينا العوض

وبسبب تقصيرك تسلق كوليا الشجرة ومزق سترته..

نخصم عشرة

وبسبب تقصيرك ايضا سرقتْ الخادمة من فاريا حذاء..

ومن واجبك ان ترعي كل شئ،

فأنتِ تتقاضين مرتباً..

وهكذا نخصم ايضا خمسة..

وفي 10 يناير اخذت مني عشرة روبلات
همست يوليا فاسيليفنا: لم آخذ
قلت: ولكن ذلك مسجل عندي
قالت: حسناً، ليكن
واصلتُ: من واحد واربعين نخصم سبعة وعشرين..

الباقي أربعة عشر

امتلأت عيناها الاثنتان بالدموع..

وظهرت حبات العرق على انفها الطويل الجميل..

ياللفتاة المسكينة
قالت بصوت متهدج: أخذتُ مرة واحدة.. أخذت من حرمكم ثلاثة روبلات.. لم آخذ

غيرها

قلت: حقا؟ انظري،

وأنا لم أسجل ذلك!

نخصم من الاربعة عشر ثلاثة،

الباقي احد عشر..

ها هي نقودك يا عزيزتي!

ثلاثة.. ثلاثة.. ثلاثة.. واحد، واحد.. تفضلي

ومددت لها احد عشر روبلا..

فتناولتها ووضعتها في جيبها بأصابع مرتعشة..
وهمست: شكراً
*******
انتفضتُ واقفا واخذتُ أروح واجئ في الغرفة واستولى عليّ الغضب

سألتها: شكراً على ماذا؟
قالت: على النقود

قلت: ياللشيطان،

ولكني نهبتك،
سلبتك!
لقد سرقت منك!
فعلام تقولين شكراً؟
قالت: في أماكن أخرى لم يعطوني شيئا

قلت: لم يعطوكِ؟!

ليس هذا غريبا!

لقد مزحتُ معك،

لقنتك درسا قاسيا..

سأعطيك نقودك،

الثمانين روبلا كلها!

هاهي في المظروف جهزتها لكِ!
ولكن هل يمكن ان تكوني عاجزة الى هذه الدرجة؟
لماذا لا تحتجين؟
لماذا تسكتين؟

هل يمكن في هذه الدنيا إلاّ أنّ تكوني حادة الانياب؟

هل يمكن ان تكوني مغفلة الى هذه الدرجة؟

ابتسمتْ بعجز فقرأت على وجهها: يمكن

سألتُها الصفح عن هذا الدرس القاسي وسلمتها، بدهشتها البالغة، الثمانين
روبلا كلها..
فشكرتني بخجل وخرجت
تطلعتُ في اثرها وفكّرتُ:
ماأبشع أن تكون ضعيفاً في هذه الدنيا

alt


*أنطون بافلوفيتش تشيخوف (29 يناير 1860 - 15 يوليو 1904) طبيب وكاتب مسرحي ومؤلف قصصي روسي كبير، عد من كبار الأدباء الروس كما أنه من أفضل كتاب القصة القصيرة على مستوى العالم.


كتب عدة مئات من القصص القصيرة وتعتبر الكثير منها ابداعات فنية كلاسيكية، كما أن مسرحياته كان لها أعظم الأثر على دراما القرن العشرين.


بدء تيشيخوف الكتابة عندما كان طالباً في كلية الطب في جامعة موسكو ولم يترك الكتابة حتى أصبح من اعظم الادباء وأيضا استمر في مهنة الطب وكان يقول "ان الطب هو زوجتي والادب عشيقتي"
ومن اشهر مؤلفاته الشقيقات الثلاث وبستان الكرز.
من كبار الأدباء الروس كما أنه من أفضل كتاب القصة القصيرة على مستوى العالم.


كتب عدة مئات من القصص القصيرة وتعتبر الكثير منها ابداعات فنية كلاسيكية ، كما أن مسرحياته كان لها أعظم الأثر على دراما القرن العشرين، من اعماله القصصية نذكر:


فانكا - وفاة موظف - القناع وغيرها.

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • Twitter
  • RSS

دلال البزري تطرح أسئلة البداهة الأصعب

إنها الكتابة باعتبارها الرؤية، التحديق اليومي، الإنصات الذي يلي السَّمع، altبحواس إضافية، قد يكون القلب بينها، والنقد بالطبع. انها المخيلة إذ تستعير من السينما ومن تجارب واقعية، بل من حسّ دعابة مُطعّم بأكثر من ثقافة. يفيض كتاب دلال البزري الأخير «مصر التي في خاطري» (دار الساقي) بذلك كله وأكثر، غير أن قراءته المتمهلة تغذّي خاطرتين أساسيتين، مع كل نقلة رشيقة من فصل إلى آخر، من «مصر الصوَر» إلى «النقاب والحصانة»، أو من «النساء والرجال: تحرّش لا حب»، إلى «المثقفون وجهاء بوهيميون».

ترتسم الخاطرة الأولى انتروبولوجياً، إذ يذكّر الكتاب بمقاربة علماء إناسة يدرسون قبيلة ما بالمعايشة، محاولين الاندماج في يوميات مجتمع لا يدّعون معرفته، اللهم في ما خلا ما جمعوه بالقراءة والتواتر. كأن البزري عايشت مصر هكذا عقداً من الزمن، تاركة لنفسها أحياناً أن تقع في فتنة البلد وناسه، كما لم تنكر عليها لحظات غضب أو يأس أو حتى انزواء.

في بدايات كتابها، تحكي البزري كيف أنها، طفلةً في عائلة لبنانية تدير مطعماً في المغرب، لطالما افتتنت بمصر من قبل أن تزورها أو تقيم فيها. وزادتها حباً زيارة الفريق الرياضي المصري للمصارعة إلى مطعم العائلة في الدار البيضاء: «كانوا رجالاً اقوياء، سعداء، وجذابين، تنضح منهم الثقة بالنفس وبالمستقبل، وجميعهم وسيمون يشبهون صلاح ذو الفقار». وطبعاً، وَسَم سطوع نجم جمال عبد الناصر مراهقة الكاتبة وبعض شبابها، شأنها في ذلك شأن جيل أو أكثر. غير أنها، حينما استقرت في مصر بين العامين 1999 و2009، تعرضت إلى «صدمة حضارية سلبية»، كما تقول، صدمة معكوسة من أن هذه البلاد التي كانت على لائحة الهجرة بالنسبة إليها، هي بلاد مهرولة نحو التراجع، نابذة للنساء وأصحاب الديانات الأخرى والغرباء: «غريبة بقيت في مصر، غربة لم أتوقعها، لم أقرأ عنها، غربة كأنها آخر مطاف الغربة، وقعها مثل فكرة توسّع حدود الكون، لا نهاية لها ولا شفاء منها».

ربما بسبب هذه «البرّانية» بالذات، تمكّنت البزري من طرح الأسئلة الأوّلية الأصعب. «غربتها» الطويلة في مجتمع انصهرت فيه وتورّطت في حبّه، بعدما احتكّت بمختلف فئاته، حفظت لها عيناً لا تسلّم بما تراه، عين متآلفة كفاية مع «بورتريه» القاهرة لتكون قريبة منها، بل غالباً مشارِكة في يومياتها بفاعلية لا افتعال فيها. لكنها أيضاً عين مستجدة كفاية لتتساءل في شأن تلك المرأة المنقّبة التي انصاعت لها النساء بعد صلاة الجمعة في جامعة الأزهر، يومَ التظاهرة لدعم فلسطين: ما هي ملامح وجهها؟ هل هي سلفية؟ إخوانية؟ من أي حي أتت؟ أتصاب عضلات وجهها وملامحه، تحت النقاب، بكسل فلا تعود تتحرك أو تعبّر؟ أتنشط عيناها فتختزل «كلام» وجهها؟

شاهدت البزري، و»جرّبت» بلا وجل، ملقية بالآراء والأحكام الجاهزة في سلّة أبقتها قريبة من متناولها، لأنها لا بد من أن تعود إليها فتقارن المعايشة بالمفاهيم، الأيديولوجيا بالحياة اليومية. لا بد من أن تعود إلى الأنا والآخر وما بينهما. هكذا، تخبر كيف ارتدت النقاب ذات ليلة ونزلت إلى الشارع برفقة صديقة محجبة لتشعر أنها... «دبّابة»! فالشعور بالحصانة، لا الثأر، هو ما داخَلَها فيما مشت منقّبة في شارع طلعت حرب-ميدان المتحرشين المفضل، مستلذةً عدمَ الاستباحة، بالنظر أو اللسان، أو حتى اللمس. غير أنها تعاود التفكير في النقاب كـ «موضة الرد» على العولمة والغرب، بالهوية الصارخة، فيما النقاب في رأيها «أنتي-موضة»، استئناف لما سبقه، أي الحجاب، وانقلاب على الحجاب أيضاً بما يؤهله لأن يكون، للمفارقة، استئنافاً للعطر الباريسي وسواه من رموز الموضة المتعولمة. تفكر وتكتب كيف أن هذه «المواجهة» تتم على جسد المرأة دون الرجل.

هكذا، ولأنها لم تسلّم بصداقاتها في مصر، ولم تحصرها في أشباهها من المثقفين أو الكتّاب أو حتى النساء الليبراليات المتعلمات العاملات، فإنها، عن سبق إصرار وانفتاح، والأهم عن فضول جميل، سمحت لنفسها بالملاحظة والاقتراب من مروحة بشرية مصرية ملونة، فخرج كتابها قوس قزح إنسانياً يحفظ، في الوقت نفسه، فرصة القارئ في رأي خاص.

وإذا كانت الخاطرة الأولى عن الكتاب أنتروبولوجية، فإن الثانية تذهب إلى عالم مختلف كلياً، عالم الأدب. فعلى رغم أن البزري لم تكتب رواية، ولا حتى نصوصاً بهذا المعنى، لكنها تسرد، بين لحظة تأملية وأخرى صنوها، المشاهدة. تروي، بين فكرة تستلّها من علم الاجتماع وأخرى تستعيرها من السينما المصرية التي «تنقل الواقع من دون أن تكون واقعية (...) تغازل الواقع (...) كأن هناك اتفاقاً ضمنياً بين المخرج والجمهور بأن ما يعرضه عليه هو الحياة السينمائية التي يخوض بها في يومياته، بصفته يقوم بتمثيل حياته»، كما تكتب.

وتحضر، ههنا، الروائية الإنكليزية جاين أوستن، لاسيما كتابها «الكبرياء والتحامل» على نحو خاص، حيث يتجلّى أسلوبها في بث رونق حيّ في التفاصيل التي تحيكها نسيجاً اجتماعياً ومشهدية كاملة للسردية الأساس: موضة عمرها قرنان، صنوف الأشغال اليدوية والأطعمة وآداب حفلات الشاي والسهرات. ومثلما تشرح جاين أوستن القُطَب المختلفة التي قد تبرع بطلتها في تطريزها، تفتح دلال البزري خزائن بطلاتها المصريات، مفنّدة أنواع الحجاب الرائج في مصر، من «السبانش» إلى العراقي و «السبور» والجلباب، ولا تنسى إشكاليات الأجساد والأذهان تحت كل ستر. فهذه صديقة تنتمي حركة جسدها إلى ماضيها اليساري، قبل أن يستقرّ القماش على رأسها على كبر. وتلك يرتاح جسمها إلى تاريخ احتجابه كتحصيل حاصل منذ البلوغ.

وقد تذهب البزري إلى توثيق على طريقتها الخاصة، من ضمن مشروعها الاستكشافي المصري. تشحذ أدواتها لهذه المهمة، معيدةً التفكير في التعريفات، راذلةً البداهة. فمتى، مثلاً، يصبح تودّد الرجل للمرأة تحرشاً؟ إذ ثمة تشابه كبير في ميكانيزمات السلوكين. وتوصلت البزري أخيراً إلى أن التحرّش «لا يولّد لقاء، إنه اقتراب وليس تقرباً، وليس تعبيراً وجودياً عن التوق إلى الجنس الآخر. التحرش، ويا للمفارقة، مرافق لحالة أخرى، هي الوحشة القائمة بين الجنسين».

تلوّن دلال البزري في خواطرنا مِصرَها، تاركة العنان لقصص مترو الأنفاق... لاختلافات وعود الحب على وجوه العشاق، المتنزهين على ضفاف النيل، عن «الكود الغرامي» في سلسلة المقاهي المتعولمة، وعن مَرتَعي الجيل القديم في «مقهي غريون» أو «اليوناني»... لأثر المرايا بين السلطة والمجتمع... لفكفكة ترسانة لغوية تدجج العبارات والمحادثات في مصر وتربطها بـ «الحل»، أكان الإسلام أم العلمانية أم الديموقراطية، لأن «شيئاً ما» هو دائماً الحل.

«مصر التي في خاطري» بدأ إنجازه قبل إنجاز الثورة المصرية. وقد يصح القول بأنه من الكتب المفصلية لـ «العاديات»، على الحدود بين تاريخين، إنه انطباع أخير قبل البدء من جديد. ولعله، بهذا المعنى، محطة قد يرغب المرء في معاودة زيارتها بينما تستقيم الثورة دولة.

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • Twitter
  • RSS

الجديد في الشعر الجاهلي.. يبرّئ ساحة طه حسين


عن الدار المصرية اللبنانية صدر كتاب جديد بعنوان "الجديد في الشعر الجاهلي.. درة طه حسين الناصعة"، للكاتب المصري سامح كريم.
ينقسم الكتاب الذي يقع في 420 صفحة من القطع الكبير إلى قسمين كبيرين، يضم الأول التقديم والدراسة والتحليل، ويضم الثاني مجموعة من الوثائق، بينها نص كتاب "في الشعر الجاهلي" ونص مقال "نشأة الشعر الجاهلي" للمستشرق الانكليزي صامويل مرغليوث. ويضم الكتاب نصا ثالثا كتبه مرغليوث بعد تقديم طه حسين للمحاكمة بسبب الكتاب، ويبرؤه فيه من تهمة النقل، وهو مقال ينفرد به الكتاب بعد أن أمعنت أقلام كثيرة في تجريح طه حسين (1889 ــ 1973) والطعن في معتقداته، وهي اتهامات لاتزال تثار حتى الوقت الحالي. ويعد الجزء الأول من الكتاب الخاص بالتقديم والدراسة والتحليل إضافة إلى حقل الدراسات الأدبية، وهو جزء كبير يقع في 200 صفحة، وقف أمام كل التفاصيل التي أثيرت حول الكتاب وصاحبه وينقسم إلى ثلاثة أبواب، أولها الشك في صحة الشعر الجاهلي ودوافعه والشك في شعر شعراء الجاهلية، والباب الثاني حول نقد المفكرين والعلماء والنقاد للكتاب، والثالث يتناول تطورات البحث في قضية "في الشعر الجاهلي" ونتائجها. ويربط المؤلف بين كتاب "في الشعر الجاهلي"، ودعوة طه حسين إلى الإصلاح باعتبارهما جناحين متلازمين لدى حسين وبعض معاصريه ممن كانوا يرون أن التعبير الأدبي، نثراً كان أو شعراً، مرآة للحياة التي يعيشون فيها، وأنه ينبغي أن تناقش جوانب هذه الحياة سواء العقلية أو الدينية أو السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية. ويؤكد الكتاب أن عميد الأدب العربي كان حاسما في ضرورة ألا ينبغي أن نطمئن إلى ما قاله السابقون ونأخذه من دون بحث أو تمحيص، بل يجب أن نناقشه ونشك فيه شكا علميا دقيقا باعتبار أن الركون إلى المتاح من دون مناقشته يؤدي إلى الجمود والتحلل، وهي الآفة التي ظل يقاومها فكرا وعملا.


  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • Twitter
  • RSS