كلُّ شيء على البسيطة زائلْ
ليلة سقوط النقد في 'زوبعة فنجان قهوة'
عدة اتهامات يوجهها الناقد صبحي شحروري دون أن يبين لنا من وجهة نظر نقدية ما الصواب وما الخطأ.
بقلم: توفيق العيسى
هل الحديث عن الشعر أم القصة، الرواية أم النقد، يحتمل فنجان القهوة الصغير والأنيق لكل هذه المحاور؟ المكان على رحابته ضيق، عريف الحفل والمتحدث لم يرتبا أوراقهما، هذا ما صار واضحا تماما عندما بدأ صبحي شحروري كلامه عن الحالة الثقافية بشكل عام، وعن سيرته الذاتية ككاتب. عريف الحفل "أحمد الأشقر" غير موجود فمن سيدير النقاش؟ كان المفترض للقائنا في مقهى الديوان أن يجمع بعض كتاب شباب والناقد صبحي الشحروري، حيث يتبادر للذهن أن النقاش أو الأمسية ستتركز على قراءات لهؤلاء الكتاب ونقدها ولو بشكل بسيط من قبل الشحروري لتشمل المشهد الثقافي والشعري الفلسطيني في هذه المرحلة على ضوء تجربة الجيل الشاب، إلا أن هذا لم يحدث والنادل قدم القهوة باردة، وجاري البحث عن عريف الحفل. في معرض حديثه الذي ابتدأه بسيرته الذاتية وكيف كتب القصة القصيرة انتقل بنا من تجربته الخاصة وبسرعة البرق لينكر وجود أدب الواقعية الإشتراكية، فهو على حد تعبيره لا يعترف بها ولا يعرف تعريفها، وهو بذلك أنكر مرحلة ثقافية كاملة، وأنكر عددا من النتاجات الأدبية الفلسطينية والعربية، وإن كنا نحترم رأيه، وهو حر بطرحه، إلا أنه كان من الواجب عليه أن يشرح لماذا. وفي حديثه عن الأجناس الأدبية الأخرى كالقصة والرواية والشعر والنقد كان يشن هجوما لم يبرره على كتاب هذه الأجناس. ففي القصة القصيرة يرى أن كتابها ما زالو يكتبون ضمن النسق القديم، والمحدثون أخطأوا عندما لجأوا للقصة القصيرة جدا. وفي الرواية يبدأ هجومه بأن كتابنا لا يعرفون ما هي الرواية ولا كيفية كتابتها. عدة اتهامات وجهها دون أن يبين لنا من وجهة نظر نقدية ما الصواب وما الخطأ، بل اكتفى بالقاء محاضرة مدرسية عن الكناية والاستعارة ووصاياه للجيل الجديد بأن يلتزموا الحقيقة فيما يكتبون وأن يكتبوا بمشاعرهم وإحساسهم، وهذا كلام ليس بالضرورة أن تكون ناقدا لتقوله. وعن النقد فقد بذل جهدا كبيرا وهو يتحدث عن ضرورة أن يوجه النقد للنص وليس للشخص والنقد يتعرض لبنيوية النص وتفكيكه. حتى اذا ما انتقل للحديث عن الشعر بدأ حديثه بـ "إنني هاجمت جدارية محمود درويش". وهنا نستوضح أن صبحي شحروري اختصر محاضرته الطويلة بفعل الهجوم وليس النقد، فإذا كان يعرف ويختصر جهده النقدي بكلمة هجوم فكيف يعيب على الذين يرون في نقد النص هجوما على الكاتب؟ وكيف يرى ناقد كصبحي شحروري النقد هجوما وليس عملا أدبيا تفكيكيا لبنية النص؟ والنقد والهجوم لا يجتمعان. استخدام كلمة هجوم كان لها وقعها فعندما تبدأ حديثك بكلمة هاجمت بدلا من انتقدت توحي للمتلقي أن هناك أمرا شخصيا أو مبيتا، ومهما حاول شحروري أن يجمل حديثه ليعطي انطباعا بالموضوعية، فإنها ستنهار على وقع هذه الكلمة خاصة مع تكرارها والإصرار عليها. هذا المشهد الهجومي كان له وقعه على فئة الشعراء والكتاب "الجدد" الذين تساوقوا معه في هجومه، منجذبا البعض لفكرة مس المقدس، علما بأنا لسنا ضد نقد درويش، فالأمثلة التي ساقها شحروري والتي وافق الحضور عليها وهي من الجدارية، لم تكن صائبة، بل وكانت مغلوطة أيضا، فقد اتهم درويش بجنوحه إلى الذاتية وتكريسها من خلال استخدامه لكلمة أنا، على حد قول شحروري وإنكاره لوجود الآخر في قصيدته "وكأنه لا يوجد أحد غيره"، فقد نسي أو تناسى طالما أنه مهاجم وليس ناقدا، بأن بنيوية القصيدة فرضت على درويش الحديث بالأنا فهي هم وجودي لمريض في غرفة الإنعاش يرى الموت والحياة أمامه وبشكل جلي. ولا ندري ما الذي قصده شحروري بكلمة الآخر، لكن القصيدة بنيت على مشاهد وشخصيات متنوعة ولم تكن حكرا على درويش فقط، ويرى شحروري أن درويش يشبه نفسه باليهودي وذلك عندما قال "أنا البعيد البعيد"، وربط هذه الجملة بجملة أخرى لم يذكرها ولكنه ادعى أن درويش شبَّه نفسه بداوود المذهب، وهذا ما أكد رأي الشحروري بتشبيه درويش لنفسه باليهودي وما وافقه عليه الحضور، ولكن من هو داوود المذهب؟ لا يوجد شخص اسمه داوود المذهب، وهذا الاسم أسمعه لأول مرة من الأستاذ الشحروري ولو قرأنا القصيدة وبحثنا عن كلمة المذهب هذه لقرأنا التالي: باطلٌ، باطلُ الأباطيل باطلْ كلُّ شيء على البسيطة زائلْ
0 Response to "كلُّ شيء على البسيطة زائلْ"
إرسال تعليق