مها محمد حسن تفتح أجواء القصص النسوية الأفريقية أمام القارئ العربي



عطلة أعياد الميلاد قضيتها مع حالين لا جامع بينهما: مرض الأنفلونزا الذي اصطحبني معه وجعلني ملتصقاً به ولم أستطع الفكاك منه ولم ينفع معه النطّاسون وأدويتهم، وحال آخر هو هدية الزميلة القديمة، الجديدة مها محمد حسن عبر ترجمتها لقصص نسوية أفريقية حيث كانت هذه الهدية خير دواء لداء الأنفلونزا، فاستطاعت تلك القصص بأجوائها الرائعة ان تلوي ذراع المرض وتجعلني أعيش أجواء حالمة مع تسع قصص من ترجمتها البديعة التي جمعت حلاوة اللغة وسبك المعنى ممزوجة بأسلوبية صحفية جميلة.

ومعرفتي بالزميلة المها تمتد لعقود من الزمن، لكننا افترقنا، غير إن أنفاسها ظلت تطوف عليّ بين فترة وأخرى، حتى جمعتنا العزيزة جريدة "الزمان" سوية على صفحاتها، ولعل من المناسب التذكير بأن مها محمد منذ ان ولجت عالم الكتابة والترجمة قبل نحو ثلاثين عاما، آمنت بأن الحياة أكبر من أن يحتويها عقل وأن الحقيقة ليست مجرد أدراك عقلي بحث، وقد دفعها حبها للحياة الى السفر في خيالات الكتابة، فكتبت للطفل وعنه، وللحب وعنه، وللعشق وعنه، وهذه المرة حزمت حقائبها نحو القارة السوداء عبر مجموعة من القصص النسوية الأفريقية، ولم تحتفظ بقراءتها الذاتية لتلك القصص، فعزمت على ترجمتها وهي المتمكنة من سبر أغوار لغتين أجنبيتين هما الفرنسية والانكليزية.

وبالرغم من ان قصصها الأفريقية بأقلام كاتبات من أفريقيا كانت قصيرة جدا، إلاّ إنها حوت في طياتها وفي طريقة تركيبها أفكارا إنسانية وعاطفية بالغة المعاني. وأنني أعتبرها من القصص التي تهتم بنقد الحياة أكثر من اهتمامها بتصويرها ومعظم شخوصها من الصنف الإنساني الذي همه الخير، فتراها تقع في متاهات عديدة، لاسيما في موضوعة الحب الذي أتلمسه في هذه القصص بأنه يضعف مرات ويقوى مرة، وكذلك الخيانة فأجدها تضعف مرة وتقوى مرات، لكن كل ذلك يتم بانتقالات غير محسوسة، سوى ان الشكل الوجداني لهذا الحب يزول ويحل معه الشكل المتقلب للحب، غير ان أجمل ما في أسلوب مها هي تذكيرنا على الدوام بان أحلى ما في الحب هو الامساك عن الكلام فيه، وترك التعبير عنه لأسطر في رسالة الكترونية او ومضة بانت من تحت نظارة تخفي زرقة عينين هي والحلم صنوان: واحدة تكمل الأخرى!

وكان مفيدا، ان تكتب الكاتبة مهما محمد حسن مقدمة لترجمتها أضاءت بعض الجوانب غير المعروفة عن الأدب النسوي الأفريقي، فأعطت بذلك ملمحاً كان غائبا في مسيرة الأدب الأفريقي حيث ظلت القارة الأفريقية دهورا طويلة يُنظر إليها بوصفها أرض الغابات المظلمة التي تعج بالحيوانات الضارية والزواحف المُخيفة والبعوض والذباب القاتل، والسكان السود المُعدمين الذين يتكرم عليهم البيض الذين يقتحمون هذه الأرض المليئة بالأسرار، فيجعلوهم أدلاء لهم في الغابات، وحمالين ينقلون أدواتهم ومؤنهم. والغابة المليئة بكل مخلوقات الله ومن بينهم البشر، يشع فيها نور مُغامر يبحث عن الماس، أو مبشر يدعو إلى دينه جهراً أو طرزان الأبيض الوحيد الذي يملك الغابة!

وأبناء هذه القارة كانوا على مدى حقب طويلة من الزمان بضاعة يتم اصطيادها وانتزاعها من أهلها وموطنها وتصديرها إلى سوق النخاسة والعبودية الغربية بكل ما فيها من ظلم واعتداء ووحشية! إلاّ أن هؤلاء الأبناء بشر برغم أنف كل من أراد أن يعدهم غير ذلك، وقد بدأوا بتلمس طرق إثبات انتمائهم إلى الجنس البشري من خلال الكثير من النجاحات التي حققوها في أراضي العبودية ووصلوا بها إلى مستويات عالية من الانجاز الإنساني في الفن والعلم والأدب!

وأفريقيا أرض تزخر بالثروات التي تمتد بين الماس وبين الموز، وتزخر أيضاً بالفقر والمرض والجهل والعديد من صنوف المعاناة الإنسانية التي يأتي في مقدمتها الايدز الذي استوطن القارة وأتى على الملايين من أبنائها! ومن بين كل ما في أفريقيا مما يرسم خطوط الإبداع الإنساني، وما يرسم خطوط المعاناة الإنسانية، كتبت عدة مبدعات هذه القصص التي أردن لنا من خلالها أن ندخل هذه الغابة المُرعبة لنرى ما فيها من كل ما هو مخيف وغريب في بلاد السحر الحلال والسحر الأسود وملايين المُعتقدات والخرافات!

ان هذه الاضمامة من نتاج الأديبات الأفريقيات تسهم في استكمال معرفتنا بعالمنا من خلال دخول هذا النفق الجديد الذي ينفتح على ثقافتنا ليرفدها بمصدر جديد من مصادر التواصل مع البشر المبدعين أياً كانت ألوانهم وطرائق تفكيرهم.

إنها إعادة اتصال لنا بأخوات في الإنسانية فشلت إدعاءات تفوق البيض في إبعادهن عنا، وإبعادنا عن التنقيب في أفكارهن والسياحة في فضاءات إبداعهن، ونرجو أن يكون ذلك بداية رحلة استكشاف إنسانية تعد بالنجاح!

عالم عجيب

وعند انتهائي من قراءة قصص مهما محمد، أدركت كم ان الأديب السوداني د. جمال محجوب كان على صواب في دراسته عن الأدب الأفريقي حين قال ان من الصعب تحديد جوهر العوالم الأدبية وأثارها في الأدب الأفريقي بفعل الضغوطات الداخلية الممارسة على المبدع حيث أن أغلب الكتاب الأفارقة يعيشون خارج أوطانهم أو يتم تبنيهم في الغرب عن طريق النشر والتوزيع والترويج لأعمالهم الإبداعية، واعتبر مصطلح "الرحالة" نافذة لاستكشاف الشكل الأفريقي المقترح إبداعيا.

وعن تجربته الشخصية باعتباره ثمرة زواج مختلط بين أب سوداني وأم بريطانية أوضح جمال محجوب أنه لم يعان من التمزق أو التمزق الداخلي بسبب نهله من حضارتين مختلفتين ولم يعان من الشرخ، وأشار الى أن همّ الكتاب الأفارقة في الـ 60 من القرن الماضي انصب على التوق للاستقلال والحرية لكن بعد تجربة الدولة الوطنية وفشل المشروع أجبر الأدباء الأفارقة (الحالمين) إلى اختيار المنافي والهجرة بنصوصهم إلى الآخر، واعترف الدكتور جمال محجوب أن الأدب الأفريقي ممزق ومتشرذم بسبب حالة الحروب الدائمة وعدم الاستقرار وغياب هامش الحريات حيث انفجر الأدب الأفريقي خارج فنائه الأفريقي وتعددت الاختلافات لأننا لا نستطيع الوصول إلى مصطلح "الأدب الأفريقي" بحكم أنه ينظر للأدب الأفريقي على أنه قدم من بلد وليس من قارة، فثمة قطيعة بين الكتاب سواء كانوا باللغة الفرنسية أو الإنجليزية، كما أن الأدب الأفريقي المكتوب باللغة العربية لا يزال حبيس الإيديولوجيات والتاريخ، ويعتقد محجوب أننا بحاجة إلى عقلية للتغيير مثمنا دور البعض على ورشات الكتابة على المستوى الأفريقي لتشجيع الكتاب الجدد.

معلومات أوسع

وكنت أتمنى على الزميلة مها محمد ان تتوسع في مقدمتها لهذه الترجمات، فتضيف معلومات لقارئها عن تاريخ الأدب الأفريقي ومنعطفاته ولا تكتفي بملمحها في الكتابة عن الأدب النسوي الأفريقي. صحيح إنها كتبت مقدمة حاولت فيها ان تشير الى بعض الملامح لكنها بقيت دون الطموح، وأظن ان السبب في ذلك هو النمط الذي عُرفت به الكاتبة في أسلوبها المتسم برشاقة الكلمة وقصرها.

وهو أسلوب لا بد لي ان أسجله باحترام للكاتبة مها، فهي بارعة في خفة أسلوب ترجمتها وتركيزها على إيحائية تركيب الحوار، وفي اعتقادي بأن مترجمة من هذا النمط ما دامت تمتلك الإحاطة والقدرة الدقيقة وموهبة حسن اختيار اللمسة الفنية المعبرة فأنها من الممكن ان تنتقل بيسر من ترجمة الأعمال القصيرة الى الروايات الكبيرة المركبة.

وأظن ان من المفيد القول إن مصطلح الأدب الأفريقي حسب الطرح الموضوعي لهذا المصطلح هو الأدب الذي كتبه ونطقه كافة أبناء القارة الفريقية الناطقين بالعربية وغير الناطقين بها كما أكد على ذلك د. محمد سالم ولد الطلبه في دراسته القيمة عن الأدب الأفريقي، لذا فإننا ينبغي أن نكون دقيقين في مفاهيمنا ومصطلحاتنا فنقسم الأدب الأفريقي مبدئيا إلى قسمين: أدب أفريقي عربي وأدب أفريقي غير عربي. ولكل من الفرعين أقسامه وفروعه الخاصة، سواء منها الشفوية أو المكتوبة، وسواء من هذه الأخيرة ما كتب باللغات المحلية أو الأجنبية. والأدب الأفريقي غير العربي يضم آدابا كثيرة ومتنوعة، وبلغات مختلفة، لكن الدارسين يرجعون اللغات الأفريقية غير العربية كلها إلى الأسرة "الكونغولية الكردوفانية".

وكما تطرح في الأدب العربي قضية هذا الأدب المكتوب بلغات أجنبية كالفرنسية، فإن نفس القضية تطرح أيضا وبحدة في الأدب الأفريقي غير العربي.

إن الأدب الأفريقي غير العربي يطرح إشكالات عدة منها ثنائية الشفوية والكتابية، وثنائية لغة الكتابة والاستجابة لشروط التواصل؛ لكن قبل التطرق إلى هذه الثنائية الأخيرة نشير إلى أن قضية "الشفاهية" بخصائصها وفطرها وأسلوبها تسري في هذا الأدب حتى منه ذلك المكتوب بلغات أوروبية؛ إذ اللغة فكر، والفكر لا يعبر إلا عما هو مؤسس عليه.

يضاف إلى ذلك تنوع هذا الأدب غير العربي، وذلك تبعا للغات واللهجات الأفريقية الكثيرة، والتي يشير الدكتور ولد الطلبة الى صعوبة دراسة الأدب الأفريقي دراسة موضوعية ربما بسب تعقيدات اللغة فهو يقول "يكفي أن نعرف أنه قد أحصيت أكثر من 600 لغة بتحدثها سكان القارة فضلا عن آلاف اللهجات التي لا يتكلمها أحيانا إلا مجموعات قليلة تحسب بالمئات. ولنشر على سبيل المثال إلى 350 لغة في زائير، بينها 4 لغات فقط بتحدثها عدد كبير من سكان البلد هي: السواحلية – لينغالا – الكيكونغو – تشيليبا. وفي غانا تم إحصاء ما بين 47 و 62 لغة وأكثر من 800 لهجة. وهناك 150 لغة صغير في نيجيريا، و72 لغة في ساحل العاج، و62 لغة في الكاميرون".

إن كل تلك اللغات وما تحتضنه من ثقافات وأساطير ورموز وروايات وأشعار وحكايات شعبية وأمثال وحكم، .... تؤلف مجتمعة نسيج هذا الأدب الأفريقي غير العربي ووحدته الكلية الكبرى؛ وهذا ما أحسن التعبير عنه الروائي النيجيري (نشينوا إتشيبي) في قوله "... لا يمكن أن تحشر الأدب الأفريقي في تعريف صغير محكم ... فأنا لا أرى الأدب الأفريقي كوحدة واحدة وإنما أراه كمجموعة من الوحدات المرتبطة تعني في الحقيقة المجموع الكلي للآداب القومية والعرقية في إفريقيا".




























ويطرح هذا الأدب الأفريقي غير العربي قضايا عدة منها أن معظم الأدباء الأفارقة الذين ينتمون إلى مجموعات لغوية ودول مختلفة لا يكتبون بهذه اللغات – رغم أن لبعضها أبجدية من نوع معين – ولكن نراهم يهرعون إلى اللغة الأجنبية، وتحديدا لغة المستعمر الذي كان بالبلاد؛ وبالتالي نرى هؤلاء يتبنون هذه اللغات الأوروبية خطا فكريا في الكتابة وفي مختلف الأنشطة الثقافية خارج الإبداع. وهذا ما يطرح قضية مهمة تتعلق بكيفية تواصل هؤلاء الكتاب مع جمهورهم المعني بفحوى الرسالة الفنية وهو جمهور في معظمه، كما نعلم، مخترقا بالأمية والجهل والتخلف والفقر المدقع.

ثم إن هؤلاء المبدعين لا يكتبون لأنفسهم ولا لمن هم خارج حدود "تغطيتهم" التواصلية، فإبداعهم ينبع أساسا ممن هم معنيون بالخطاب، لأن أوضاع أولئك وظروفهم تعمل فعل المحفز والمثير الإبداعيين لدى هؤلاء الكتاب.

وإذا نظرنا إلى خارطة الكتاب الأفارقة غير العرب باللغات الأجنبية ألفيناها في تزايد مستمر، وهذا ما يجعل من خطاباتهم الفنية التوجيهية الإصلاحية مقتصرة على إدراك النخبة القليلة؛ وهذا بدوره يمثل تناقضا منهجيا ساخرا من حيث كونه أدبا حداثيا يتبع مناهج طبقية كلاسيكية إقطاعية، يحجب فضاؤها عن المعنيين الفعليين بها.

ان مشكلات "التواصل" هذه، تتفاقم يوما بعد يوم؛ لأن المجتمعات الأفريقية حديثة العهد عموما بالاستقلال، وتعاني كلها تقريبا من مشاكل بنيوية على مختلف الأصعدة السياسية والأمنية والاقتصادية والصحية والاجتماعية والبيئية .... فضلا عن مشاكل العنصر البشري المزمنة؛ وبالتالي فالفرد الأفريقي ينظر إلى كتابه وأدبائه أملا في أن يقتبس من نورهم كي يضيء دياجير دروبه، لكن خيبته تكون عظيمة عندما لا يرى من نورهم إلا الشفق المغرِّب؛ فكتابه يشرقون في آفاق غربية، ليست في الحقيقة معنية بطلوعهم ولا حتى بغروبهم.

المشكلة التي يطرحها هذا الأدب الأفريقي غير العربي المكتوب باللغات الأوروبية الثلاث المذكورة، يطرح تساؤلا ملحا: هل هذا الأدب هو أدب للتصدير فقط؟

يجيب عن هذا التساؤل الأديب الأفريقي (داثورني) قائلا: " ... إن الكتاب الأفريقيين في القرن العشرين (مغتصبون بلا شك). فقد تعلموا في عالم جديد وامتصوا قيما جديدة، وأطلقوا أسماء جديدة على الموضوعات القديمة، واكتسبوا ارتباطا غريبا بالكلمة، ومن المحزن أن يكون الأديب الأفريقي في القرن العشرين مقاولا ثقافيا لأنه يكتب ولا يتكلم، ويتكلم لغة لا يسمعها أحد، ولا يسمعه أحد، لأنه نصب نفسه ولم ينصبه أحد. إنه إذا يصنع ثقافته للتصدير".

لكن لا بد أيضا أن نكون موضوعيين نوعا ما، فهذه اللغات الأفريقية ذات الطبيعة الشفوية، والتقاليد الكتابية البسيطة، والبدائية أحيانا، لا توفر – في نظر هؤلاء الكتاب – إطارا موضوعيا ملائما لاحتضان تلك الأفكار والتصورات ذات الطبيعة الحداثية، وبالتالي يكون اللجوء إلى اللغة الأجنبية هو لأجل توصيل أصوات تلك الأمم ومعاناتها وقضاياها المصيرية، حتى تُسمع ويُحس بها دوليا ويَشعر الآخرون بمدى الانهيار والتردي اللذين تركها المستعمر فيهما وعلى شتى الأصعدة.

والحق أن (هـ يان) قد خلص في النهاية إلى أن تصنيف الأدب حسب الجغرافيا أو الطبقة أو لون البشرة لا يعد معيارا موضوعيا حاسما في التصنيف، فالأدب عامة والأفريقي خاصة، هو كما يقول "لا يمكن أن يصنف إلا على أساس الأسلوب والمواقف التي يعرضها وبدقة أكثر أقول: على أساس دراسة الأعمال المفردة وتحليل أساليبها وتصنيفها بعد ذلك ثم مطابقتها مع تقاليد الأساليب والمواقف المشابهة؛ ولا يمكن أن تأمل في وضع الأعمال الأدبية في "أسرها" الصحيحة ما لم تفحص هذه السمات، وما لم تحلل عملا محددا فلن تستطيع أن تحدد الأدب الذي ينتمي إليه ذلك العمل هذا التصور الأسلوبي إذا أضفنا إليه فكرة: أن تعبير المرء بلغته الأم لا يمكن أن يدانيه أي تعبير آخر بأي لغة مهما بلغ المعبِّر من حذق اللغة الثانية؛ إن نحن أدركنا هذا الأمر كان بإمكاننا فيما يتعلق بالأدب الأفريقي غير العربي أن نطرح قضية "الحرف التعبيري" الملائم لكتابة تلك الآداب غير المتوفرة على أبجدية، على أن تكون الكتابة باللغة الأم.

وقد يثير هذا الطرح جدلا كبيرا لأن الخيارات المتاحة محدودة، فالكتابة في هذه الحالة إما أن تكون بالحرف العربي أو الأوروبي الغربي تحديدا.

وهنا يبرز كل فريق ليدافع عن طرحه، فالمبشرون المسيحيون والمستشرقون سيدعمون خطهم، على أساس ميراثه التاريخي والحضاري، وما يحمل ويوفر من قيم براغماتية نفعية، كما أنهم لا يتورعون في سبيل دعم حججهم بالهجوم غير الموضوعي على الخط العربي.

أما المسلمون الأفارقة فيدعمون خطهم العربي لما له من صلة بثقافتهم وانتمائهم، وبما لهم به من ألفة؛ هذا فضلا عن كون العربية المدخل الضروري الأول للإسلام.

وبغض النظر عن حجج أي من الفريقين، لم لا ننظر إلى هذه اللغات الأفريقية المطلوب كتابتها، من حيث الأصوات والمخارج والحروف والخصائص الصوتية والأدائية، ثم ننظر بعد ذلك إلى الخطوط الملائمة لاستيعاب ذلك.

والحق أن دراسات من هذا النوع لا تزال قليلة نادرة، لكن بوصفي ـ يقول الدكتور ابوطبلة ـ باحثا محتكا – بفعل الجوار والمساكنة – ببعض نماذج هذا الأدب في ثلاث لغات هي من أكثر اللغات تداولا في القارة الأفريقية: (البولارية – الولفية – السونينكية: بفرعيها)؛ بوصفي كذلك أستطيع القول إنني اطلعت على نماذج من هذه المحاولات الكتابية بالحرفين العربي واللاتيني (الفرنسي تحديا) وتبين لي – مثلما تبين لمن قابلت من أبناء هذه اللغات - بعد المقارنة أن ما يتيحه الخط العربي من إمكانات التعبير عن مختلف الأصوات والحركات أكبر مما أتاحه الخط الأوروبي الفرنسي، الذي كان يستعين في إبراز بعض الأصوات بتنقيطات ومضاعفات ودمج لبعض الحروف كي تعطي الصوت المطلوب.

وربما تعود مرونة الصوت العربي إلى طبيعته الشفوية الراسخة المتجذرة فيه كالصوت الأفريقي ذاته. ولا أدل على ذلك من المكانة التي حظي بها الخط العربي في أفريقيا الغربية والشرقية والوسطى، من مكانة عفوية على مر التاريخ.

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • Twitter
  • RSS

0 Response to "مها محمد حسن تفتح أجواء القصص النسوية الأفريقية أمام القارئ العربي"

إرسال تعليق